القاطر: جمع قطرة وتقول العرب: (قطر قلبه دما أي أدمى قلبه)، والقاطر في المعنى الشعبي هو تلك القطرات المنسربة من سقف بيوت الطين أثناء (السبرة) وانسكاب المطر الغزير، مما يدفع سكان (الدار) إلى الاستعانة بكل ما في (الملهب) من كاسات وصحون وأوان، لتهطل فيها قطرات الماء حماية للعرصات و(زهاب) البيت أي (المفروشات)، مما يشعل صمت الديار ويحيلها إلى غابة من الموسيقى وقرعات الطبول الليلية، وهذا ما دفع (عبدالله الساكتي) كواحد من الأصوات المشتغلة بالتحديث والتجاوز في الفكرة والطرح أن يعنون كتابه بـ(القاطر) من إصدارات نادي أبها الأدبي لعام 1436 من الهجرة؛ مما أجبر الكثير علي الوقوف أمام تلك النصوص ومقروئيتها بكل ما فيها من تداعيات، وما تستولده من مداليل وتنويعات في مستواها الشعوري وهاجسها الحلمي وفرط إنسانيتها. (قاطر) الساكتي مبني علي مجسدات مستلفة من أوردة الأرض وجوهر الحياة وأعشاش الروح، يقول في آخر نص: (ليل تحتله البروق، والريح عاصف، تكاد تقتلع النوافذ والأبواب، مطر برد عتمة ليل، والقاطر يقطر قطرة.. قطرة)، النصوص تمارس اختراقا للسطوح وملامسة للوجدان، ومكامن الذات كنبرات بوحية أقرب إلى (المحكي) المشبع بالحبكة الفلسفية والتجربة الحياتية الخصبة، ينتزع الساكتي معجمه من الأرض من العشب من وجوه الناس، من دفء الأمكنة، من بياض المشاعر من عبق الحياة، من أصابع المطر المتيم به حد العشق والجنون والحميمية، فـ"الحيا" كما يسميه وينعته الآباء والأجداد يغشي أغلب صفحات نصوصه، الغارقة والمبتلة بالمطر الهتان (عناق مستميت بين المطر والأرض، يبعث من الطين عطرا لا يشمه إلا المغرمون بالحياة) (نقية كالمطر تغسل أدران مهجتي، ترشني دون موعد لتخبو حوبتي) (لسانه عذب، تحسبه خيرا يمطر علي السنابل نارا تحرق بسملات الأمل) (ملهمتي الصغيرة أتعلمين كم يضمد قلبي بريق شروقك، وكم يرطب جفاف جلدي هتون مطرك) (كم يغشانا الفرح ونحن واقفون نعد قطرات المطر حين تتفتق السماء في ساعة البكور) (حتى وإن ساد شكك وتلون شعورك بالسواد، تبقين كقطرات المطر علي شفاه الجفاف) (أسير مقعده بين الصحوة والمنام، أمام نافذته منتظرا دون ملل متى يزوره (سافي المطر ) (الأرض تعيش عيدها في حضرة المطر) (صوت رقيق كم يأسر القلب ويحلق بالمشاعر في سماوات الانتشاء، صوت رقيق وحرف كقطرات المطر أو كندي البكور حين يلثم الورق) (القاطر صوت حزن أم صوت فرح؟) ينساق في أوردتي انسياق الماء من طين (الدِّفة) والدفة سطح المنزل، مولع الساكتي بالمطر ومسكون به حد الامتلاء المطلول بالأنداء والغيوم والاخضرار وعروق الشجر، عذبة هذه المكتشفات والبشارات التي يقدمها نادي أبها الأدبي، حين ينهض بهذا الدور ويقدم هذه الوجوه المبهرة والمدهشة من أبناء اللحظة والحضور المبهج.