دون الدخول في دهاليز الأرقام ومصطلحات دخل الفرد والناتج المحلي، يمكن ببساطة قياس رفاهية شعب ما بصرياً، من خلال ملاحظة نوعية المركبات التي تجوب الشوارع!

هناك نظرية "شعبية" في الخليج تقول إن اقتناء المواطن السعودي لسيارة باهظة الثمن دلالة على قدرته المادية (بطران)، على خلاف مواطني دول الخليج الأخرى والتي يستطيع أصحاب الدخول المتوسطة الحصول على ذات الطراز، نظراً للتسهيلات والأقساط الميسرة التي تقدمها شركات بيع السيارات هناك.

ففي معظم دول الخليج يمكن للمواطن ذي الدخل المتوسط شراء سيارة بلا مقدم وبأقساط منخفضة جداً، مقارنة بما تفرضه وكالات السيارات هنا من مقدم ومؤخر صداق (أقصد تملّك)، هذا عدا الأقساط الشهرية الدسمة!

جربت الدخول إلى موقع إحدى وكالات السيارات، واخترت سيارة عائلية عادية، فوجدت المطلوب دفع 25% من قيمة السيارة كدفعة أولى ومثلها أخيرة، وبينهما قسط شهري يقتطع ثلث المرتب لمدة 5 سنوات. ماذا سيتبقى من مصاريف أسرة وإيجار والتزامات أخرى؟!

ماذا لو اتفقت وكالات السيارات والبنوك المحلية على إلغاء الدفعتين الأولى والأخيرة مكتفية برسوم إدارية رمزية، وقامت بتخفيض الأقساط إلى حد معقول مقابل تمديد مدة العقد دون أن يترتب عليه فوائد إضافية كبيرة؟!

من شأن ذلك أن يخفف ضغوط الالتزامات المالية على المواطنين، ويقلص من أعداد سيارات "الخردة" في شوارعنا وما تسببه من تلوث وأعطال وسط الزحام. أضف إلى ذلك زيادة دخل الدولة من خلال ارتفاع معدلات تحصيل رسوم الإصدار والتجديد ونقل الملكية.

كما أنه من الطبيعي أن تضاعف هذه البادرة أحجام مبيعات الوكالات وتمويل البنوك، وما يتبعه من خدمات ما بعد البيع كالصيانة وقطع الغيار، وكل هذا التوسع سيكون له تأثيره الإيجابي على الاقتصاد الوطني.

لكني لست متفائلاً كثيراً في أخذ وكلاء السيارات بالاقتراح لسبب واحد، وهو أنهم يستمدون قوتهم من "الاحتكار"، لذا أبقوا علاقاتكم جيدة بـ"ورش الصناعية" حتى يفرجها الله!