طرأت على المشهد السياسي والعسكري في الساحة اليمنية تحولات دراماتيكية متسارعة. فحين كانت كل المؤشرات تشير إلى أن الحوثيين في طريقهم إلى الاستحواذ على اليمن وبسط نفوذهم، الذي هو في الواقع نفوذ لإيران بطريقة ذكية، على الجزء المهم من ذراع كماشة شبه الجزيرة العربية الجنوبي، والذي سيمكنها من الضغط على المملكة العربية السعودية أولا، والعالم ثانيا، من خلال سيطرتها على مضيقين مهمين يمثلان عصب الاقتصاد العالمي، هما مضيق هرمز ومضيق باب المندب. وهو ما سيخلق مشاكل اقتصادية عدة لأوروبا وشمال أفريقيا، من خلال خنق قناة السويس والاقتصاد المصري أيضا، وعلى الرغم من كل تلك المؤشرات القوية، إلا أن "عاصفة الحزم" جاءت لتبعثر كل أوراق الحوثيين والبذور الإيرانية الشريرة في اليمن، وتقلب في طرفة عين موازين اللعبة برمتها على الأرض، وفي غرف المفاوضات السياسية، وتضع معاييرها وتفرض اشتراطاتها الخاصة، وهذا انتصار نوعي هدم في لحظات ما عملت إيران على صنعه لعقود مضت.

في 20 سبتمبر 2014 صرح مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، "علي رضا زاكاني"، المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي قائلا: "إن ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة للثورة الإسلامية"، وقال بأن العاصمة العربية الرابعة في الطريق، وبعد يوم واحد من حديثه سقطت صنعاء بالفعل في يد الحوثيين 21 سبتمبر 2014.

أعلنت إيران احتفالاتها مبكرا بسقوط صنعاء في أيديهم، من خلال عملائها الحوثيين في اليمن، ولم يدخروا جهدا في الدعم الاستراتيجي واللوجستي، وقرروا في غمرة لحظات الفرح الهستيرية، أن خيوط اللعبة الآن باتت كاملة في أيديهم، كان واضحا أن تواطؤا أكيدا كان خلف ما حدث وأدى إلى احتلال صنعاء بأصابع إيرانية وقفازات يمنية.

إذ طيلة مراحل مؤتمر الحوار الوطني، وضح أن الحوثيين في الواقع لم يكونوا يبحثون عن اتفاق حقيقي مع الأطراف الأخرى في اليمن، بقدر بحثهم عن الفرصة السانحة للانقضاض على الأمة اليمنية، التي حاولوا خداعها واستمالتها من خلال خطابات بشعارات أصبحت متهالكة باسم الثورة والشعب والحرية والكرامة والشهادة في سبيل الله، وهي خطابات مقززة ومثيرة للشفقة حين تستخدم للمخادعة على أية حال، لأن ظاهرها الجميل ليس صلب جوهرها الخبيث.

الحوثيون في الواقع أقل بكثير مما حدث ويحدث الآن في اليمن، فهم لا يعدون أكثر من كومة قش سرعان ما أحرقتها قذائف "عاصفة الحزم"، وأنهت معها وإلى الأبد أحلام السيادة التي وُعدوا بها ذات طهران وقُم.

لكن خلف الستار كان يقف الرئيس المخلوع علي صالح -الثعلب الذي قاد الضباع 33 عاما- يلعب لعبته الانتقامية من الشعب اليمني بقذارة، في الوقت الذي كان يمكن له أن يكون رمزا وطنيا للعرب قبل اليمنيين، لو أنه أحسن اختيار قراراته، وشارك في نقل اليمن بأمان إلى المستقبل، مستغلا المميزات التي منحتها له الاتفاقية الخليجية...

غير أن رؤساء العصابات لا يتقبلون مثل هذه النهايات الحالمة عادة، لأنهم لا يعترفون إلا بالنهايات المأساوية، ولذلك تجدهم لا يحسنون التصرف في لحظات الغضب، وتاريخ العالم يشهد بذلك، كهتلر وموسيليني والقذافي.. وبالتالي لم يكن هناك مجال لتجنب قرار التدخل العسكري في اليمن نهائيا، فقد دفعت السعودية ودول التحالف العربي إليه دفعا قسريا!

وحين دوت المدافع وعلى صوت أزيز الطائرات انتبه الحوثيون والإيرانيون وحلفاؤهم إلى أنهم قد ارتكبوا خطأ استراتيجيا جسيما، كلفهم وما زال يكلفهم وسيكلفهم أثمانا باهظة، فهموا ذلك على ما أظن، إلا أن انتباههم كان بعد فوات الأوان، فعاصفة الحزم مصرة على اقتلاع كل ما له علاقة ببذور الشر الإيرانية، وأي تراجع عن ذلك الهدف سيكون انتصارا بطعم الخسارة.