- بإجماع المتابعين، فاقت مسرحية: "لبيد بن ربيعة"، سابقاتها نصا وعرضا، ولعل ذلك عائد إلى "خضرمة" النص، إن صح المصطلح؛ فقد استطاع المبدع المجنون صالح زمانان الانفكاك من أسر العرض السيري الذي لا يتجاوز عصر وحياة الشاعر، إلى آفاق مفتوحة على الأزمنة والشخوص، وتناغَمَ ذلك مع جودة أداء الممثلين الكبار واحترافيتهم، وإبهار المؤثرات الإخراجية من الخبير فطيس بقنة.
- أثبت مقدما حفل الافتتاح الشاعران المبدعان: مفرح الشقيقي، وحيدر العبدالله، أنّ النجاح على المنابر الاحتفالية، يحتاج إلى أمرين رئيسين، هما: التمكن من اللغة، والإحساس بدلالات الألفاظ، وأنّ على من لم يتمكن من اللغة إعرابا وإحساسا، أن "يستتر" بالجلوس مع المستمعين، فالتقديم المنبري ليس "هياطا" مجردا، وليس وسيلة لإشباع الرغبة في الظهور للظهور ذاته، أو للإزاحة الكيدية وحسب.
- المسؤولون عن البرنامج الثقافي، وعلى رأسهم د. جريدي المنصوري، استطاعوا -هذا العام- أن "يعطوا القوس باريها"، في أكثر من ندوة وأمسية، وهذه نقطة الارتكاز في نجاح البرامج الثقافية، إذ لم يكن تركيزهم على الأسماء، بقدر تركيزهم على التخصصات، والاهتمامات، ومدى صلة الشخوص بالموضوعات.
- ..ورغم ذلك، ما زلت أرى أن برنامج سوق عكاظ الثقافي في حاجة إلى محور رئيس، تتفرع عنه الجلسات جلّها؛ ذلك أن سؤال التغيير والتنمية في بلادنا والعالم العربي يبقى ثقافيا في المقام الأول، فأكثر مشكلاتنا التنموية والأمنية والمجتمعية عائدة إلى خلل أو نقص في الوعي الجمعي، وليس لنا أمامها إلا اختيار محاور جريئة، تعيد العقول إلى "التبصّر"، وتدفعها نحو وظيفتها الأساسية وهي التفكير المستقل، دون التبعية التي تحوّل العقول المعطلة إلى أدوات تحركها أدبياتُ التنظيمات وفق أهواء وأجندات "المفكرين بالنيابة".
- كان الشباب المشاركون في ندوة: "الريادة المعرفية"، مبهرين بقدرتهم على إيصال المعلومات، واختزال اللغة، ومباشرتها، ويسْرها، ولذلك دلالة على أنهم عمليون ومنجزون وقادرون.
- في ندوة: "تجارب الكتاب"، كانت جرأة القاص فهد الخليوي حجر الزاوية؛ لأنه وضع مشرطه اللفظي على مواطن الألم والخلل بدقة، وحفّزنا –من خلال استعادة أخطائنا السابقة- على التفكير في طرائق تلافيها مستقبلا، إن كنا شجعانا بالقدر الذي يحفظ لنا سلمنا الاجتماعي، وأمننا الوطني، ويحول بيننا والانقسامات الحادة النابعة من أيديولوجيات أزعم أنها ذات بريق ظاهري خادع، وجوهر قبيح، وأهداف أكثر قبحا.
- تشابه الأفكار والعنوانات الملحوظ في "التغطيات" الصحفية للفعاليات يعيدنا إلى القول بوجود نقص كبير في المراسلين الثقافيين القادرين على الالتقاط، والمتمكنين من نقل الأقوال، ووصف الأفعال، بأساليب لا تشوهها، أو تحرفها. وإن كنت مشيدا بأحد، فقد كانت بعض التقاطات مراسلة "الوطن" الزميلة نورة الثقفي مميزة.
- وأخيرا: بذل فريق القناة الثقافية جهدا ممتازا ومشكورا، فواكب الفعاليات، ونقَل الصورة واضحة، لكن العمل التلفزيوني العكاظي –في مجمله– يحتاج إلى بضعة "براغي"، ليكون ثقافيا بالمعنى التنويري، لا التلميعي، وليكون "إعلاميا"، لا دعائياً.