مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية، تتسع مساحة الأمل بأن يكون هذا الحدث الكبير خطوة جديدة تُثبت بها السعودية أن سياستها العقلانية الهادئة، هي التي تستطيع أن تلبي حاجات شعبها، بعيدا عن المزايدات والشعارات ومحاولات القفز الطائش في الفضاء المجهول.
تأتي هذه الانتخابات، وهي الثالثة في غضون عشر سنوات، مصحوبة بتوقعات متنامية بأن تكون المنافسة فيها أكثر جدية وتأثيرا وفائدة. وأسباب ذلك عديدة، منها أن عدد أعضاء البلديات المنتخبين قد زاد إلى نسبة الثلثين، وأن المجالس الجديدة ستكون لها سلطات أوسع عن ذي قبل، ومنها كذلك أن سن القيد في جداول الناخبين قد خفض إلى 18 عاما، بالتزامن مع السماح للمرأة بالمشاركة بالترشيح والتصويت، وهي أسباب من شأنها أن تدفع باتجاهين مهمين؛ أولهما: زيادة أعداد المترشحين ومن ثم منح الفرصة لأفكار وبرامج ووجوه جديدة للظهور والتداول، وثانيهما: توسع النقاش العام ليشمل قضايا لم يكن متاحا طرحها في الدورتين السابقتين.
والحق أن المستجدات التي تشهدها هذه الانتخابات تعكس حرص الدولة الواضح على الوفاء بتعهداتها، ثم أنها تعبر –من جهة ثانية- على مدى التقدم الذي حققته المملكة في مجال الإصلاح اعتمادا على رؤية وطنية شاملة مكنتها من وضع أقدامها على أرض صلبة تتحرك عليها اليوم متحررة من تأثير الضغوط الخارجية وكذلك النزعات الحالمة. وما يزيد من تفاؤلي أن اللجنة العامة المشرفة على الانتخابات قد استعدت للأمر منذ وقت مبكر وبما يناسب أهميته، وهو ما يبشر بأن احتمالات تكرار الأخطاء السابقة ستكون –بإذن الله- في أضيق الحدود، وأن هناك فرصا حقيقية لكل ناخب ليمارس حقه في اختيار ممثليه بناء على وعي كامل، فيما ستكون هناك ضمانات كافية للمتنافسين كي يقدموا أنفسهم بالطريقة التي تضمن لهم تكافؤ الفرص والموارد والاحتمالات.
وأحسب، من خلال متابعة متواصلة لنشاط اللجنة، أن دورها سيكون من ضمن العوامل الرئيسية لنجاح هذه المناسبة التاريخية، ويكفي أننا نمضي إلى هذه الانتخابات ونحن نعلم منذ فترة طويلة كل ما يتصل بها بدءا من جدولها الزمني، مرورا بقواعد تنظيمها، وصولا إلى كيفية الاقتراع وفرز الأصوات، غير أن هذا النجاح لن يكتمل -كما نرجو- دون أن تقوم الجهات الأخرى بواجباتها؛ فالإعلام مطالب بأن يوضح للمواطنين من خلال الرصد والمتابعة والرقابة أهمية المشاركة وفوائدها للفرد والمجتمع، كما أن الدعاة وعلماء الدين عليهم أن يؤكدوا على ارتباط هذه الانتخابات بقواعد الشورى التي يسير عليها مجتمعنا منذ زمن المؤسس، طيب الله ثراه. أما الكتاب والمثقفون وأصحاب الرأي فعليهم أن يكونوا نافذة الوعي وعين المجتمع وضميره القادر على إرسال إشارات التنبيه والتحذير والتحفيز.. ولا أظن أن أحدا من هؤلاء جميعا سيبخل على وطنه بهذا الدور أو سيقبل لنفسه الابتعاد عن هذا العرس!