في بداية هذا الأسبوع كانت عودة المعلمين والمعلمات إلى مدارسهم لبداية عام جديد، نتمنى على الله أن يكون مثمرا على الجميع، منهم الكثير ممن سوف يكونون مستجدين على هذه المهنة، وهنا ارتأيت أن أقدم لهم بعض النصائح من خبرتي ومن قراءاتي في مجال التربية والتعليم، لا نريد أن ندخل في أسباب اختيار هذا المجال فهي كثيرة، المهم هنا أنك اليوم -معلم أو معلمة- ولكن الرغبة في أن تكون معلما لا يعني أنك ستصبح معلما بمجرد أنك حصلت على شهادة التعليم، هنالك هوة كبيرة بين النظريات وبين الواقع داخل الفصول الدراسية، ولتعلم أنه لا يوجد برنامج جامعي يقوم بتجهيزك على أن تقوم بعملية التدريس، ما نقوم به هو تدريبك كي تكون مستعدا لتتعلم كيفية التدريس، بمعنى كيف تنمو وأنت داخل المهنة.

لن تكون الرحلة سهلة ويجب أن تجهز نفسك على أن قلبك سينفطر لما ستواجهه من قصص حزينة كمعاناة أسرية يحملها إليك تلاميذك، كما أنك سوف تتعامل مع نفسيات مختلفة من زملاء العمل، وكثيرا ما ستشعر وكأنك تمشي على قشر البيض، وفوق ذلك يجب عليك أن تتعامل مع القوانين والمرفقات والتغييرات المستمرة، فكن مستعدا للدفاع عن نفسك وعن تلاميذك حين تشعر أن هنالك تعديا أو ظلما، ولا ترضخ لمجرد أن الورقة مذيلة بإمضاء مسؤول، تمسك بمبادئك وكن صلبا ولا تجعل أي شيء يطغى على صوت ضميرك المهني والإنساني.

أنت التغيير فافتح قلبك لتلاميذك، محبتهم ستكون من مستوى عطائك واستعدادك الدائم، اعمل على بناء خطط بديلة، توقع كل شيء، قد تصرف من جيبك، لست وحدك ولن تكون الأخير، كن صبورا مع نفسك ومع تلاميذك، لا يوجد أحد دون أخطاء، المهم أن تحول هذه الأخطاء إلى دروس تنمو من خلالها، شارك طلبتك مشاعرهم، لن تقترب منهم إن بقيت مركزا على مهاراتك ونسيت أن بين يديك أرواحا تعج بالحياة تنتظر من يرشدها. اعمل على كسب ثقتهم وصادقهم كي يشعروا بالراحة وينمو بين يديك.

نعم سوف تتدرب على القيام بأدوار عدة؛ أن تكون محاورا، ناقلا للمعلومات، محفزا للعقول، مستشارا، مقيّما، مدير فصل، صانع قرار، قدوة، صديقا، مرشدا، وقد تحتاج أحيانا أن تكون الوالد البديل للمهملين أسريا، قد يبدو الأمر وكأنك تغير دورا كل دقيقة، لا يهم لأنه تدريب ومع الأيام ستصبح كل هذه الأدوار جزءا من شخصيتك المهنية.

قد ينتهي اليوم الدراسي مع رنين جرس الانصراف ولكن يومك لا ينتهي، ستجد أمامك الكثير من المهام، لكن إن لم تدخل هذا المجال لأنك مؤمن برسالة التعليم، سوف تجد أن كل ذلك ثقل عليك وعلى حياتك الشخصية، إنه عالم التدريس، ولكي تعيش معه يجب أن تنظم حياتك، فإن لم تكن نشطا مرتاحا سوف ينتقل ذلك إلى أدائك وقد تَظلم وتُظلم، ابن لك عالما تبدع فيه، اخلق من فصلك عالما ينتظر تلاميذك دخوله، عالما يشجع على الإبداع الشخصي دون التنافس الفردي، الكل لديه ما يقدمه ويجب تقدير كل عمل مهما بدا صغيرا، حول فصلك إلى ورشة عمل، خلية نحل، مكان فيه المرح وفيه المسؤولية، وعليه كن ميسرا ولا تكن ديكتاتورا يقفز التلاميذ عند كل أمر أو نفس منه، لا تكن ناقل معلومات بل محفزا على التعلم، ولن يكون ذلك إلا باللين والتشجيع وتهيئة البيئة التعليمية التي تناسب الجميع، بمعنى لا تدرس على نمط واحد، أنت تختلف عن زملائك وكذلك تلاميذك، اعتبرهم معلمين لك وتعلم معهم ومنهم ومن خلالهم، ليكن النمو عملية تشاركية.

أما بالنسبة للتكنولوجيا فلا تستخدمها كأساس، استخدمها حيث تشعر أنها سوف تسهم في تحفيز وتحريك الفصل لا لكي تستعرض أو تخفف من عبء الشرح، ولا تنسى أن تستشير من لديهم خبرة، شارك بمجموعات مساندة لك ممن هم في المهنة نفسها على شبكات التواصل الاجتماعي، قدم ما لديك بكل كرم وأريحية، وبالتالي ستجد المقابل من المساعدات فوق كل التوقعات، لا تخجل من طرح أي سؤال فغالبا ما ستجد من سيرشدك على كيفية التعامل معها، المهم ألا تكون جزيرة منعزلة بل كن البحر وشارك، فالمردود يستحق كل مجهود، نعم تعلم من الغير لكن كن فريدا لا مقلدا.

في النهاية كن بالليونة التي تجعلك تتكيف مع كل الظروف، لم تختر المهنة السهلة ولكنك اخترت أنبلها، فلتكن على قدر المسؤولية، ضع الطالب في قلب كل تحرك تقوم به ولا تنسى أنك في هذا الموقع من أجله، لا يعني هذا أن تُحرق، حدد أوقاتا تستعيد بها نشاطك وابتعد عن كل سلبي كي تشحن طاقات أنت بأمس الحاجة إليها. نظم أهدافك ولا تثقل على نفسك حتى لا تنفر من المهنة وأنت ما زلت في أول الطريق. كل يوم هو بداية جديدة يحمل في طياته فرصا وتحديات جديدة تشكلنا كمعلمين ومعلمات. استمتع بالرحلة فكل خطوة فيها درس وكل خبرة كنز، وكل تغيير في تلاميذنا إنجاز.