في السابق كانت العبارة التي تذيّل بها الرسائل "انشر تؤجر". اكتشف الناس أنهم لا يؤجرون أحيانا؛ بل يأثمون بنقل بعض تلك الرسائل مجهولة المصدر. تبدلت الحال - كما يقول صديقنا الحائلي سعود الطرجم - واستخدم الناس عبارة "كما وصلني"!
يعتقد البعض أنه بمجرد كتابته عبارة "كما وصلني" ستبرأ ذمته وستخلو عهدته، ويجوز له إعادة إرسال كل ما يستقبله هاتفه الجوال.
شيئا فشيئا يتحول هذا الجهاز إلى ما يشبه حاوية النفايات، يستقبل ويرسل أي شيء وكل شيء!
قبل أيام انتشرت شائعة تتعلق بوضع أحد الأثرياء السعوديين ممن لمع نجمهم قبل ثلاثة عقود. حينما كنا صغارًا نتابع أخبار ذلك الملياردير الذي يخرج علينا وفي فمه سيجار كوبي، دليل على البطر والعز - كما يفسره البعض -، الرسالة أو الشائعة مرفقة بصورة له وهو مُقعد على كرسي وكتب تحتها عبارات وعظية تتعلق بمآلات هذا الثري وكيف أنه يعيش اليوم دون أحد،ويثير الشفقة، لم أزد سوى أن علّقت في نفسي "ارحموا عزيز قوم ذل".
ومع ذلك، لم أستسغ الحكاية، لم أقبلها، الرسالة مفبركة، ليس الأمر بحاجة لإعمال العقل، ولم أكن أنتظر بيان أسرته الذي ظهر سريعا مُفندا هذه الشائعة. من غير المنطقي أساسا أن يُعدم الرجل من يدفع عربته، هو في نهاية الأمر شخصية اعتبارية لها وزن محلي وعالمي، ولديه من المكانة والقيمة ما يجعله يعيش على كفوف الراحة.
ولذلك لم أرسلها. الذي صدمني - وهي صدمة ولا شك - أن هناك ثقاة متعلمين، هم الذين كانوا يتناقلونها ويبعثون بها شرقا وغربا، وحينما ظهرت الكذبة قفز الجميع وسط قارب النجاة "كما وصلني"!
هذا القارب مثقوب وسيؤدي بك إلى الغرق، مؤلم أن تنشر كل ما يستقبله هاتفك الجوال دون تثبت. اسأل نفسك الآن: هل كنت من الذين نشروا تلك الرسالة؟ وهل قمت بإرسال رسائل أخرى تخص أشخاصا آخرين؟!
ألا يفترض بك حينما تصلك رسالة ما أن تعرضها أولا على عقلك؟ ألا يفترض بك وأنت الإنسان العاقل أن تتحرى وتتثبت وتسأل قبل أن تُروّج لهذه الأخبار التي تثير القلق والبلبلة بين الناس وتسيء لآخرين؟! كيف تغيب الفطنة والنظرة الثاقبة عنك؛ فتضع نفسك دون أن تشعر جزءا فاعلا في هذه الكذبة أو الإشاعة، أيا كانت دوافعها؟!
أنا لا أمارس الوعظ هنا، لكن بعض هذه الإشاعات التي تساهمون في ترويجها تضر بالآخرين، وتزعجهم أكبر مما تتصورون.