ما تزال الاستقالة الجماعية، لأعضاء مجلس إدارة نادي الشرقية الأدبي التي أُعلنت قبل حوالي الشهر، موضع التعليق في الوسط الثقافي.

من جهة هناك الترحيب والتفهّم إلى درجة الافتخار، ومن جهةٍ ثانية هناك من رأى فيها التسّرع وتخلو من التريّث المطلوب في التعامل مع "الجهات الرسميّة".

وثمّة من طاب له التفسير أنها خطوة استباقية لإنهاء التكليف وعدم التجديد لأعضاء النادي في شهر صفر القادم.

ومهما يكن أمر التعاطي مع هذه الاستقالة الجماعية، إنْ من جهة القبول والتقدير أو من جهة الاعتراض والانتقاد، من داخل المؤسسة الثقافية وخارجها. غير أنّ ما يثير الانتباه ويدعو إلى القلق، على عافيّة الحالة الثقافية في بلادنا، انتصاب "ذهنيّة المحو والإلغاء" بإشهار كرّاسة التقييم الصّفريّة.

وهذه لا تكفي، لا بُدّ أن يُضاف إلى حاشيتها التشكيك في الأخلاق وفي الذمم. بما يعني الإنكار المادي والاغتيال المعنوي.

من حقّ الجميع الاختلاف وبيان عدم الرضا من أداء النادي.

سوى أن هذا الحق لا يعني التجني والإساءة والطعن، وإبراز أعضاء مجلس إدارة نادي الشرقية الأدبي في صورة انتهازيّة؛ لا يُطمئن إليها أخلاقيّا بذمّة ماليّة منخورة، تستوجب المحاكمة والتقديم إلى ساحة العدالة.

شخصيا، أتفهّم وأجدّ مبررا في أن تغفل وزارة الثقافة والإعلام جهود أدبي الشرقية في تعليقها على الاستقالة فيما تعلي من نبرة التثمين للأندية الأخرى، وواحد من هذه الأندية لم تكلّف الوزارة خاطرها بـ "مجاملة" الدعوة وحضور ملتقاها بإرسال مندوب عنها يمثّل مكانها الفارغ، في الوقت الذي تهبّ فيه لتدشين موقع إلكتروني لأكثر من نادٍ "!!".

كما أتفهّم تصريحا من داخل الوزارة يقول إنّ الأصيل لا يستقيل. وكأنما عضوية إدارات الأندية حليب طويل الأجل تحدّد صلاحيّته من قبل المؤسسة التي عيّنته وطوّقته بختمٍ لا يستطيع الفكاك منه اختياريّاً.

للمؤسسة أن تقول وأن تبرّر وأن تؤمّل؛ جواباً على استقالة جماعيّة وضعتْها أمام الخلل في التعامل مع المثقفين والأندية الأدبية؛ فأخذت تتوالى التصريحات منها واحدا بعد آخر عن الانتخابات، دون أن تشير مرة واحدة إلى "تعيين زمني" لهذه الانتخابات.

لكن ما هو محطّ استغراب أنْ يأتي التعليق الجارف والجارح من مثقف نعرف أنه "جذري" مثل الناقد محمد العباس. يتخلّى عن الموضوعيّة؛ فينسف جهود أدبي الشرقية على مدار السنوات الماضيّة في ضربة واحدة "لم ينجز شيئا يُذكر".. ويستكثر عليه الاستقالة الجماعيّة التي يصفها أنها لعبة لملء الجيوب ويتقدّم ببلاغ يوجب المحاكمة.

في كلّ الأحوال، كنتُ أودّ أن يتركّز الحديث ـ بعيداً عن مع أو ضد وبعيدا عن التراشق اللفظي ـ على ما تعنيه هذه الاستقالة الجماعيّة من حرص على استقلاليّة المثقف، وأنه المعني بأمر تسيير شأنه الثقافي، واختيار من يمثّله ويحمل صوته، وبناء مرجعيّته عبر الجمعيّات العموميّة.