مع هذه الأخبار التي تتوالى عن الانتصارات العسكرية في يمننا الغالي لقوات الشرعية، من الضروري جدا الالتفات إلى تحقيق انتصارات في ميدان الإعلام وغيره، تتوازى مع ما نبذل من جهود وصرف للمليارات لجيراننا وإخوتنا، والمسارعة في تحسين صورتنا التي قامت إيران والأبواق الإعلامية التابعة لها في الدول العربية والإسلامية بتشويهها.

أجلس مع خبراء استراتيجيين، وكلهم –على كافة توجهاتهم- يقرون بأن القوى الناعمة التي نتوافر عليها -كدولة وكيان- غير مفعّلة بشكل يترجم ما نبذله للعالم الإسلامي، وما نتوافر عليه ليس بالهيّن أبدا، وسأسرد هنا في المقالة بعض تلك القوى، ويقينا أن المتخصصين يمكن لهم إضافة الكثير، والأهم في كيفية تفعليها واستثمارنا لها.

هناك من يطرح البترول، وآخرون مكانتنا الإقليمية ودورنا السياسي، بيد أنني أميل كثيرا إلى أن أكبر قوة ناعمة نمتلكها، ونستطيع عبرها التأثير والتوجيه هي مكانتنا الدينية واحتضاننا الحرمين الشريفين، نحتاج إلى تفعيل واستثمار هذه المكانة بالشكل الذي ينعكس إيجابا علينا وعلى صورتنا.

ماذا لو رسمت خطة استراتيجية إعلامية، عبر مئة محطة فضائية على الأقل وباللغات الحية، تنقل مشاهد الحرمين الشريفين، وتخاطب تلك الشعوب بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال، وترجمة القرآن الكريم بلغاتهم، وتتحدث في أمور عامة لا يختلف عليها المسلمون، ونمرر رسالتنا الإعلامية بطريقة غير مباشرة لتلكم الشعوب، ويرى إخوتنا في الدين ما الذي قدمناه للحرمين الشريفين. طريقة لن تدخلنا في متاهات السياسة ودهاليزها، وغير مكلفة أبدا مقابل النتائج التي نحصل عليها.

فكرة أخرى تتمثل في إنشاء جامعات وقفية، ينشئها رجال الأعمال ممن يريدون وقف أموالهم في مكة المكرمة والمدينة النبوية، تتخصص في استقبال نوابغ الطلاب من العالم الإسلامي، بمعدل 5000 طالب في كل جامعة سنويا، ومتابعة هؤلاء الطلاب بعد تخرجهم في بلادهم. هذا مشروع مهم جدا يحتاج أن يبلور وتوضع له خطة محكمة، فنتائجه على المدى البعيد إيجابية جدا علينا بحول الله، وللأسف نسختها إيران منا ونشرت تشيعها الصفوي في العالم الإسلامي عبر هؤلاء الطلاب، ونحن أولى منهم بذلك.

استقطاب خيرة ونوابغ علماء العالم الإسلامي، في كافة التخصصات الشرعية والعلمية، وإغراؤهم بالسكنى في مكة والمدينة، مع الحوافز المالية وتجنيسهم، واستثمار طاقاتهم وخبراتهم العلمية التي نحتاج إليها جدا في المرحلة المقبلة، كما تفعل الدول المتقدمة التي تستثمر هذه العقول العلمية. الصديق د.خالد العجيمي ينقل عن أحد الإيرانيين أنه قال له: "لو كان الحرمان الشريفان بأيدينا، لعيّنا فيهما مئة إمام: عشرة يصلون بالناس، وتسعون يجوبون العالم لكسب المسلمين لنا"، وصورة واحدة لاستقبال الشيخ عبدالرحمن السديس في باكستان مثلا، تغني عن ألف كلمة. لماذا لا نزيد عدد أئمة الحرمين ومن ثم نستثمرهم في تحسين صورتنا بالعالم الإسلامي؟ وبنفس الطريقة ننشئ كراسي الحرمين الشرعية، ونستقبل سنويا علماء المسلمين من كل أنحاء العالم، ليدرّسوا فيها لمدة عام أو عامين، ويعود هؤلاء إلى بلادهم سفراء لنا.

هناك مؤتمرات المذاهب الإسلامية، التي أقترح لها رابطة العالم الإسلامي أو حتى وزارة الشؤون الإسلامية، وتتحدث في الأمور العامة التي يتفق عليها المسلمون، وتنقل إعلاميا لكل العالم، كي يروا سماحة الإسلام الذي نحن عليه، وقد شاغب الإعلام الغربي والصفوي في اتهامنا بأننا أصل الدواعش.

آتي أخيرا وليس آخرا إلى موسم الحج، وتعمدت أن أفرده بشكل مستقل، لأنني أشعر بعدم استثمارنا لهذه المناسبة، رغم أن التاريخ يحدثنا بأن الدول الغابرة كانت تستخدمه للدعاية لنفسها. أدعو هنا ابتداء إلى إعادة نسبة الحجاج من هذا العام، والتي كانت عليها قبل ثلاث سنوات وخفضت 50% في الداخل، و20% في الخارج، لأن السبب وقتذاك كان المطاف الذي يستوعب 48 ألف طائف في الساعة، واليوم والحمد لله يتسع لـ105 آلاف في الساعة، ولو رفعنا نسبة الحجيج في هذا العام لكان الفرح سيعمّ المسلمين، وردّا سريعا على كل من يحاول تشويه صورتنا، ولكسبنا ولاء هؤلاء الحجاج الذين يأتون إلينا، ولا اعتبار لمن يقول حيال ضبط أمنهم، فقبل 40 عاما كنا نستقبل 2 مليون حاج، أفلا نستطيع اليوم؟!

يجب أن نستثمر موسم الحج جيدا، ويجب أن نضع له خططا استراتيجية تعكس تسامحنا وحبنا وخدمة دولتنا لهؤلاء الحجيج، وتشرفنا بحمل الرسالة، ويا حبذا البدء فيه من الآن عبر إعادة العدد إلى ما كان عليه، وزيادتهم في المستقبل.

القوى الناعمة التي تتوافر عليها السعودية غير مستغلة بشكل صحيح. انتفضوا، وضعوا لها استراتيجيات استثمار لها، وفعلوها يا مسؤولي الدولة.