لنبدأ من بوتين وأوباما، فقد حظي حضورهما باهتمام واسع في وسائل الإعلام العالمية في الدورة 70 للجمعية العامة للأمم المتحدة، لاسيما بعد توتر وتأرجح العلاقات بين الدولتين، الذي امتد لثلاث سنوات في كثير من القضايا الدولية الخلافية حول الأزمة السورية، ومعضلة أوكرانيا، فضلا عن مكافحة الإرهاب.لكن يبدو أن فحوى ما تناوله الزعيمان بشأن الأزمة السورية ألقى الضوء مجددا على مواقف الحاضر الغائب، وزير الخارجية السابق الأمير سعود الفيصل - رحمه الله - ففي بداية الأزمة السورية وبالتحديد في فبراير 2012 صرح الفيصل أمام المشاركين في مؤتمر أصدقاء سورية بتونس بأن الحل الوحيد للأزمة في سورية هو نقل السلطة، إما طوعا أو كرها.

وكان الفيصل يستند في ذلك إلى القرار الذي اتخذ بالإجماع في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2005، بأن "المشروعية" تعلو على "الشرعية" في النظام الدولي الجديد في الألفية الثالثة.

رؤى ثاقبة

الفيصل الذي كان يلقب بـ"عميد وزراء الخارجية العرب"، كان يمتلك عادة رؤى سياسية واستراتيجية ثاقبة تسبق الزمن، وأحيانا تدخل في اشتباك معه، أثبتت الأيام صدقها ودقتها، ونفاذ بصيرة صاحبها.

من أهم العبارات التي أسهم الفيصل في صياغتها عقب تفكك الاتحاد السوفيتي السابق، وأوروبا الشرقية بعد عام 1989، وبالتعاون مع الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس غالي "أن الدول المستقلة اختفت من العالم تقريبا، ولا حديث بعد اليوم عن داخل وخارج، أو تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للدول". وهي العبارة التي اختمرت في رحم الأحداث العالمية في هذا المبدأ الأممي الجديد عام 2005.

الحرب الباردة

الفيصل هو القائل إن عدم تنفيذ هذا المبدأ الجديد معناه "العودة إلى مرحلة الحرب الباردة والصراعات التقليدية في القرن العشرين"، وتلك كارثة بكل المعايير الدولية، وهي نفس العبارة التي أكد عليها الرئيس الأميركي باراك أوباما في كلمته في الدورة 70 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قال "لا عودة إلى مرحلة الحرب الباردة مع روسيا" في محاولة لتبديد مخاوف حقيقية داخليا وخارجيا من تعاظم الدور العسكري الروسي في الشرق الأوسط.ولم تتوقف وسائل الإعلام الأميركية عن التفتيش في نوايا الرئيس الروسي وأهدافه المستقبلية منذ أن وطئت قدماه نيويورك، لا سيما أن الحضور العسكري الروسي الكثيف في الشرق الأوسط منذ عام 1979 أعاد فجأة أجواء الحرب الباردة.

تحرك واشنطن

حسب نائب مساعد الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي جيمس جيفري فإن "الأهمية العسكرية لزيادة الوجود العسكري الروسي في سورية لم تتضح بعد، إلا أن أهميتها السياسية مرتفعة للغاية".

أما الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، ديفيد بترايوس، فرأى أن "التصعيد العسكري الروسي في سورية هو تذكير آخر بأنه إذا لم تأخذ الولايات المتحدة زمام المبادرة، فهناك من يستطيع ملء الفراغ"، والحل برأيه لهذه المعضلة هو أن تبادر واشنطن وتسبق موسكو بتكثيف العمليات العسكرية في سورية.تداعيات الكلمة التي ألقاها الرئيس أوباما أول من أمس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة واستعداده للتعاون مع روسيا وإيران في تسوية الأزمة السورية دون الأسد، ترجمت على الأرض بسرعة في لقاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع نظيره الروسي سيرجي لافروف أمس للمرة الثالثة خلال أيام قليلة، حيث أكدا التوصل إلى اتفاق حول المبادئ الأساسية لحل الأزمة السورية.