قرار الشركة المصرية للأقمار الصناعية "نايل سات"، وقف بث 12 فضائية بشكل مؤقت، وإنذار 20 أخريات، الصادر يوم الثلاثاء الماضي، ينذر بتصاعد الأزمة مع ملاك القنوات "الدينية" على وجه التحديد، خصوصا بعد ما اعتبره كُثر تجاوزا من هذه القنوات للخطوط الحمراء، ووقوعا في فخ الفتنة، والتحريض المذهبي والطائفي.
الإجراء المصري هذا، سيف ذو حدين، فهو من ناحية خطوة ضرورية للحد من منابر "الفتنة"، وحصارها إعلاميا، بعد أن أخذت تستقطب شرائح واسعة من المجتمعات العربية والإسلامية، وباتت تغذي نوازع مذهبية وتكفيرية، من شأنها أن تهيء الأرضية لأي اشتباك بين أطراف فرقهم السياسة، وها هم وعاظ الفضائيات، يزيدونهم عداوة، بعد أن تسلح كل طرف بخطابات تصعيدية، تحاكي المشاعر المكبوتة لدى الجماعات، محرضة كل طرف تجاه الآخر.
من جهة أخرى، يخشى كثيرون أن تصب هذه الخطوات التقنينية في خانة التضييق على الحريات الإعلامية، وتقليص هامش التعبير الحر والسلمي، مما سيجعل سلطة لوزارات الإعلام على الفضاء، بعد أن رأت فيه مساحة تعبيرية تحتضن أصواتا لا تريد سماعها، أو تخالفها سياسيا، أو تمتلك أطروحات فكرية لا تتماشى ورؤيتها، لتأتي هذه الوزارات تحت ذريعة "وأد الفتنة"، فيما هي تحكم قبضتها على الكلمة والصورة في آن معا!.
هي مسألة شائكة دون شك، مما يستدعي معالجة هادئة وموضوعية، ووضع ميثاق شرف إعلامي تتوافق عليه الفضائيات، يعمل على تنظيم محتواها، دون أن يحد من حريتها، ودون أن يصيرها نافذة لحروب قادمة، يطل من خلالها رجال سياسة يستخدمون الدين لترويج أجنداتهم. أو رجال دين يتوسلون الشعور الديني لدى الجمهور، لتمرير سياساتهم، وهو الأمر الذي من الصعب التحكم فيه في الوقت الحالي، بسبب غياب المهنية، واستحكام الرؤية السياسية النفعية، أو الرؤية المذهبية الضيقة، على عقول القائمين على كثير من القنوات.
إن المشكلة لا تكمن في الفضائيات الدينية وحدها، بل في السياسي الذي يغذيها ليستفيد منها، وفي الجمهور الذي ينشد لها ويصغي لتحريضها، لذا فإن مزيدا من الإغلاق لن يفيد، طالما بقي الجمهور حبيس بوتقته الضيقة، وكأن العالم ينتهي بحدود منزله!.