كنت في مقال سابق أقف موقف المعارض لإقامة مباراة السوبر السعودية في مدينة لندن، وذلك لأسباب تتعلق بقدرة الجمهور البسيط على حضور المباراة، وكون المباراة الأكثر شعبية في المملكة تحولت إلى سلعة تجارية يتكسب من ورائها عدد من الشركات والقنوات دون أن يكون لذلك أي تأثير إيجابي على فرصة المشجع البسيط في أن يحضر المباراة ويشجع فريقه.

بعد نهاية المباراة وفوز نادي الهلال بالبطولة، ظهرت أصوات تندد بإقامة المباراة لأسباب مختلفة تماما، وهي تلك الحجج التي يطلقها البعض استنادا إلى ما يسمى بالخصوصية السعودية، فمن وجهة نظرهم يعد ظهور العائلات السعودية بالشكل الطبيعي مع أولياء أمورهم أو إخوانهم أو أبنائهم مخالفا للخصوصية التي يحملون عليها كل هواجسهم وتشككاتهم التي تنشأ من نفس مرتابة من كل شيء.

يعترض المعترضون على ظهور الفتيات دون عباءاتهن التقليدية ويستهجنون جلوسهن وسط كم كبير من الرجال، ويطلقون كل الأوصاف المقيتة كما فعل أحد مشايخ تويتر على فتيات كل جرمهن أنهن يرون أنفسهن متصالحات مع ما يفعلون ومتعاليات على منهج الشتم والقذف.

لن أتكلم طويلا هنا عن ضرورة محاسبة كل من سولت له نفسه قذف المحصنات ورمي كل أنواع الشتيمة على مواطنات قررن الاستمتاع بمباراة رياضية في أجواء حماسية لم يكتب لهن حضورها لأن قدرهن أن يكونوا إناثا، بل سأركز على أن المشكلة المثارة ليست في تصرف الفتيات والعائلات ذاتها بل في تعامل المجتمع بإعلامه وأفراده المتلصصين مع الحدث، فعقول يتمركز تفكيرها دون البطن تعد مشكلة بعض هذا المجتمع مع الحياة الطبيعية التي يعيشها العالم بأجمعه،

فقد اعترض أحدهم على حضور تلك الفتيات للمباراة بأن بنى نقده في كون أن القنوات الفضائية ركزت على إظهار الفتيات أكثر من تركيزها على نقل الهجمات وأحداث المباريات، ويا للعجب من هذا السبب الذي إن دل على شيء فإنما يدل على أن المخرج والوسيلة الإعلامية هما مثيرا المشكلة لا الفتيات أنفسهن، فما ذنبهن إن كان المخرج فضل تحويل المباراة من مناسبة رياضية إلى مسرحية تلصص واستعراض رخيص واستغلال غير أخلاقي لخصوصيات العائلات؟

لماذا تمنع العائلات من حقها وتهاجم في حين أن المتسبب هو رجل مريض أو قناة تبحث عن الربح الرخيص؟ هذا في تقديري هو السؤال الجوهري الذي لم يستطع المجتمع الإجابة عنه حتى الآن.