أعندكم استعداد لوجع الرأس؟ أعندكم استعداد تشاركونني همي الذي أصبح بالكاد ينتهي حتى يبدأ من جديد؟ إذا كنتم كذلك.. فهلموا جالسوني متوكلين على الله اللطيف، وإن كنت متخوفة من انجرافي وانجرافكم وراء مشاعر تكونت من أحداث ملغمة بالأحزان والغدر والحسد داخليا وإقليميا وعالميا، وأحمد الله أني لا أعاني جسديا وأتمنى أنكم كذلك، إذ تكفينا معاناتنا النفسية جراء الأحداث التي أصبحت تداهمنا من كل صوب، لقد تحولت لحظات الهناء التي نعيشها إلى حالة حرجة من تأنيب الضمير، لقد أصبحت ألوم نفسي إذا استمتعت بلهو طفل أو بحديث أحدهم، أو إذا أعجبني عامل بلدية حريص على نظافة الطرقات في شهر أغسطس.

وإليكم ملخص حالتي في الفترة الأخيرة: فاليوم الأول -بعد نشر مقالي الأسبوعي- أقرر طرح قضية معينة ظهرت علينا دون مقدمات، واليوم التالي أقرر تأجيل طرحها، فما استجد على الساحة أهم من وجهة نظري، وفي اليوم الثالث أبدأ بكتابة مقال مغاير للقضيتين، وفي الرابع لا يتمكن عقلي من الحراك فالمصائب التي تتوافد علينا وعلى العالم الإسلامي والعربي تلجم العقول، وفي الخامس أحاول الهروب فأغلق أذني وعيني فلم تعد حواسي قادرة على مسايرة الواقع المؤلم.

فعلى الصعيد الداخلي تحول أبناؤنا ممن كانوا يلهون بيننا وهم أطفال صغار إلى أعداء يريدون الفتك بنا في غفلة عنا، وتحول الجار إلى حاسد يسعى للفتك بنا، أما العالم الآخر فقد أعلن بسياساته أنه لا يأبه إلا بمصالحه؛ فلا العدالة تهمه، ولا استغاثة المظلوم تثنيه عن تسويفه المتكرر، وعن تعاميه عن ظلم متنام يشهده العالم وعلى مدار الساعة.

وهكذا تمر أيام الأسبوع حتى تحين ساعة الصفر؛ لأجد نفسي أمام المحك، فلم يعد لدي وقت لأنتقل من هم إلى آخر، ولم يعد لدي وقت لأنزوي مع أحلامي بغد أفضل، بغد أكثر أمنا وسلاما، وبشباب أكثر وعيا بالواقع، وأكثر إدراكا للحقائق، وبجيران يكمل بعضنا بعضا، ويسعى كل منا لصالح الآخر، وبعالم اعتنق العدالة واحترم إنسانية الإنسان على ضعف حاله.

قيل لي تكلمي عن فلسطين التي أراد لها العالم أن تموت فسكت عن حرق أطفالها وقتل أبنائها، اكتبي عن شعب سلب حقه عنوة، فمنح العالم الجاني صك الملكية وبامتياز! وقال بعضهم: تحدثي عن ذاك الذي خان الصديق وتحالف مع عدو، وقيل: لم لا تذكرين ذاك المتغابي الذي حدد صداقته لك وفق مصالحه وهيج كلابه لينهشوا لحمك؟! وقيل: أين أنت ممن كنت تعدينهم حلم الأمس وأمل المستقبل. أين أنت وهم يخططون للإضرار بأمنكم وأمانكم؟! ثم لم تغضي الطرف عن ذاك الإعلام الملوث بالغدر والبذاءة؟ وقد أسمع من يعترض على هذا وذاك قائلا: لماذا لا تطرحين إلا المنغصات؟ أليس بيننا ما يستحق الإشادة؟ فإن كان بيننا ابن خائن! فلدينا بحمد الله الكثير من الأبناء ممن رهنوا أرواحهم فداء للدين ثم للوطن، وإن كان لنا جار حاسد فلدينا بفضل الله العظيم المنان جيران أدركوا أن مصالحنا ومصالحهم واحدة، وأن أبناءهم هم أبناؤنا، وإن كان العالم امتهن التسويف، فالتاريخ مهما غمم عليه لا يكذب بالمطلق، والشمس لا بد أن تشرق مهما طالت ليالينا، فلماذا لا تخرجينا عن ذاك الجو المكفهر بمقال متفائل يخفف عنا مصابنا في بعض أبنائنا وأصدقائنا وجيراننا؟

ولهذا الأخير أقول معك الحق. لا بد من الخروج من هذا الجو المحزن، لا بد من الإشارة إلى إنجاز المرابطين والمحلقين في الجنوب الغربي للبلاد. لا بد من التحدث عن التحركات الإيجابية لقوات التحالف بقيادة بلادي والمقاومة اليمنية ضد الانقلاب الغاشم، لا بد من التحدث عن التحركات الأمنية الناجحة، لا بد من ذكر الحس الإنساني الذي تمتلكه قيادتنا الرشيدة، لا بد من التحدث عن "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية"، الذي تأسس ليكون مركزا دوليا رائدا لإغاثة المجتمعات التي تعاني من الكوارث وبرأسمال قدره مليار ريال والذي ودون شك سيهتم بالشعب الفلسطيني والسوري والروهنجي وغيرها ممن يحتاج للعون والإغاثة، لا بد من بيان أنه أضيف إلى ذلك المليار مليار آخر خصص لسد الاحتياجات الإنسانية والإغاثية للجار اليمني، لا بد من التحدث عن وزراء يعملون ليل نهار لخدمتنا ورعاية شؤوننا، وعن رجل الأمن الذي يغادر بيته مودعا وداع المفارق لأهله؛ ساعيا لحمايتنا وحريصا على أمننا، لا بد أن أتحدث عن إنجاز أبنائنا المبتعثين الذين عاهدونا على الإنجاز وكان بفضل الله ما عاهدونا عليه، وعن تجار أمناء يسعون للربح النظيف الخالي من الغش والتدليس، عمن أدى منهم الواجب الذي عليه تجاه مجتمعنا، لا بد من التحدث عن عام دراسي جديد يحمل بين جوانبه الكثير من الأحلام والأمنيات.. عام ادعوا الله الكريم المنان أن يكون آمنا ومثمرا بكل إنجاز لأبنائنا. نعم هناك الكثير مما يجب التحدث عنه ولكني مع الأسف تائهة بين هذا وذاك، فالمعذرة إن أضعت وقتكم بين هواجس تدور في نفسي وما زالت على حالها ذاك.