على إثر الجدل الذي دار حول مسألة "الزاوج" بين جماعتين، بررت الجهات المعارضة موقفها بحجة عدم التكافؤ في النسب كاعتبار للأفضلية، بينما اتخذت الجماعة الأخرى موقفا اضطرت فيه إلى الاعتداد بفضائلها؛ لإقرار حقها في التعايش كمكون ثقافي يشكل جزءا مهما من النسيج الاجتماعي، أي أن السلوك الفردي الذي يقدم عليه المنتمي للجماعة يستنهض عصبية الجماعة بأكملها بشكل لا عقلاني وغير مبرر، فالمجتمع في ثقافته العرقية والأساسية غرس القيم ومعرفة الأشياء التي تأتي على هذا النحو بشكل يصعب في الوقت الحاضر تجاوزه.

رصدت وسائل التواصل الاجتماعي تفاعلا إيجابيا بهذا الشأن، لكننا في الوقت الراهن لا نستطيع الثقة بالتجرد التام من الانتماء للجماعة خصوصا إذا لم يوجد البديل، فيما أن الفرد في مجتمعنا قلما يضع نفسه مكان الآخر ليشعر به وخاصة في المواقف التي لا يعترف بها، بينما يراها البعض جديرة بالاهتمام، فأين يقف الإنسان الحداثي وما قبل الحداثي في حدود معتقداته وإشكالاته الوجدانية؟ إذا كان الوقوف أمام الكثير من العوائق وأهمها العوائق النفسية من أجل انتصار حرية الفكر يبقى الأمر مكلفا؛ لأنه حين لا يوجد التناسق بين الأفكار وتطبيقها كسلوك فإن الحالة تعطي مؤشرا لتطور في الأفكار ولكن بشكل ثانوي غير أساسي، وهذا يعني أن التغير يتباطأ لكنه يحدث على أي حال.

المؤسسات القبلية تقاوم التغيير حتى تصبح أخلاقياتها التقليدية عبارة عن محور إشكالية وعبء على حداثة المجتمع، فنلاحظ في أكثر الآراء الخارجة عن الصندوق محاولات حثيثة في طريقة عرض الرأي تقتضي تجريد التبريرات القبلية من المنطق، مع صعوبة إيجاد بديل أو تعديل يتفق مع المتغيرات الجديدة أو التطلعات المستقبلية، وربما يدرك الملاحظ أن القبيلة فقدت دورها الوظيفي، إلا أن أكثر المتحدثين رغم ذلك ينتمون إلى جماعات أخرى فيما يظهر من ألقابهم، أو ما يقاس على مواقف أخرى، أي الانتماء الوجداني، لكن البديل الذي ذكر في بعض الآراء يتطلب الاستناد على قواعد حضارية تتناقض مع الأسس القيمية والدعائم التي بنت عليها الجماعات أخلاقياتها، وقد تأخذ حالة من الانقلابات لدى الأفراد على جماعاتهم مستقبلا إذا لم يتم ضبط تفاعلاتها وتوجيهها بتفعيل النظام.

ربما تواجه مجتمعات متأخرة كمجتمعاتنا العربية معوقات كبيرة من أجل تنظيمها، إلا أن للمعتقدات سنّة عامة كأي شيء، تمر بالمتغيرات حتى تشيخ وتنطفئ، سياسية كانت أو اجتماعية أو ثقافية أو غير ذلك، فهي تضطر إلى التحول؛ لتكون أكثر ملاءمة وتابعة للتقلب النفسي الذي يطرأ على أتباعها والبيئات التي تنشأ فيها، ولدينا الكثير من المسائل التي تفرضها الجماعات، ولم تعد تتلاءم مع تطلعات الشباب الواعي، بل إنها تصنف من المزايدات والرهانات الخاسرة، وبالأخص في حالة فقدانها للجدوى أمام أجيال مقبلة على الحياة بشكل يختلف جذريا عن الآباء والأجداد.