بناء على توجيه وإشراف الهيئة العامة للاستثمار للشركات العاملة على تطوير المدن الاقتصادية في المملكة لتطبيق برنامج المسؤولية الاجتماعية كانت هناك تجربة ناجحة ذات بعد اجتماعي كبير تبنتها " شركة إعمار السعودية " بالتعاون مع إحدى الكليات الأهلية في مدينة جدة وتمثلت هذه التجربة في برنامج تعاون مشترك مُوجـّه لأبناء القرى المجاورة المحيطة بمنطقة مكة المكرمة وعلى وجه الخصوص بمحافظة رابغ والقرى التابعة لها والتي تعتبر ضمن المنطقة المستهدفة لامتداد البعد الاجتماعي في إنشاء " مدينة الملك عبدالله الاقتصادية " في محافظة رابغ . وبناء على الاتفاقية فإن الكلية الأهلية الخاصة تقوم بتدريب حوالي خمسة آلاف طالب وطالبة على فترة خمس سنوات أو أكثر من أبناء هذه المنطقة من خريجي الثانوية العامة والراغبين في دخول سوق العمل وعلى وجه الخصوص الراغبين دخول سوق العمل في " مدينة الملك الاقتصادية " وبالتعاون مع محافظ مدينة رابغ تكون فريق عمل بين شركة إعمار والكلية الأهلية بجدة. وتم اختيار الدفعة الأولى من الطلبة والطالبات وعددهم أربعمئة وخمسون طالبا وطالبة من أبناء المحافظة وتم وضع برنامج متكامل لرعاية هؤلاء الطلبة ابتداء من انتقالهم من قراهم إلى وصولهم إلى مدينة جدة منطقة التدريب والتأهيل ثم عودتهم يومياً . وتولت شركة إعمار والكلية الأهلية تحمل تكلفة البرنامج مناصفة ضمن دورهم الاجتماعي ومسؤوليتهم الاجتماعية تجاه المجتمع الذي يعملون فيه ويحققون أهدافهم الاقتصادية والاجتماعية فيه .

ومع قرب نهاية المرحلة الأولى من البرنامج وجدتها مناسبة لأن أعرض بعض النتائج الإيجابية وبعض الحقائق التي لابد وأن يطلع عليها المسؤولون والقائمون على القطاع الأهلي وعلى وجه الخصوص الشركات المطورة والمنفذة للمشاريع الاقتصادية والتنموية في المملكة.

ومن هذه الحقائق أن أبناء القرى والمدن الصغيرة المجاورة لبعض المشاريع العملاقة في المملكة ينظرون بعين الحسرة والأسى عندما يتابعون تلك المشاريع تنمو ويبدأ تشغيلها ولا تستفيد مناطقهم من برامج التنمية كما لا يستفيد أبناؤهم وبناتهم من فرص العمل المتاحة ويتابعون العمالة الأجنبية وهي تحصل على أفضل الرواتب والخدمات السكنية والاجتماعية وبرامج العلاج والتغذية والترفيه.

وتدَّعي بعض الشركات بأن العمالة السعودية في هذه المناطق غير مؤهلة وغير صالحة للعمل ولا يمكن إعادة تأهيلها. وهذا إجحاف في حق العمالة السعودية وهي ادعاءات باطلة لا يمكن القبول بها أو تصديقها ، وعلى وجه الخصوص بعد نجاح هذه التجربة التي أضعها أمام القارئ اليوم والتي تابعتها شخصياً في كل خطوة من خطواتها حتى قاربت على نهاية البرنامج المخصص لها والتي تؤكد أن أبناء القرى والهجر والمدن الصغيرة قادرون على تحمل المسؤولية لو أتيحت لهم الفرصة للتعلم والتدريب والتأهيل، وأنهم حريصون كل الحرص على الالتزام بالضوابط والنظم الخاصة بالتعليم والتدريب والعلم، حيث يبدأ يومهم من بعد صلاة الصبح قادمين من قراهم استعداداً للتجمع في نقاط التجمع يومياً ثم ركوب الحافلات المخصصة من البرنامج والسفر بالحافلات لمسافة ساعتين أحياناً ليصلوا إلى مراكز التدريب والتأهيل في الكلية الأهلية ثم العودة بعد صلاة العصر إلى قراهم بنفس المسافة . ورغم المشقة في السفر يومياً والاستيقاظ مع صلاة الفجر يومياَ والدراسة المنتظمة والتفاعل الجاد مع البرنامج والذي ركز أولاً على سلوكيات التعامل وأخلاقيات العمل كما يركز في الجانب العلمي على اللغة الإنجليزية كأساس في الدراسة وبعض الجوانب التعليمية والمهاراتية في العمل.

 وهنا لابد لي أن أسجل وبكل فخر بأن أداء والتزام أبناء القرى والمدن الصغيرة أكبر ورغبتهم للعمل أقوى من أبناء المدن . ولا يفوتني أن أقدم تقديري واعتزازي بصندوق تنمية الموارد البشرية والذي حرص أن يكون له دور مشارك في هذا البرنامج حيث تقدم بمبادرته لدعم الخريجين في العمل والتدريب على رأس العمل حال موافقة الشركات على تشغيلهم ، كما أبدى استعداده لدعم برامج مشتركة مماثلة لتدريب الشباب الراغبين في العمل حال التزام الشركات بتشغيلهم. وإن كنت أتمنى أن يتنازل الصندوق عن شرط تشغيلهم في دعمه للتدريب، لأن الحاجة ماسة أولاً إلى التعليم والتأهيل للعمل قبل التزام الشركات بالتشغيل والعامل المؤهل للعمل مطلوب بصرف النظر عن جنسيته، والأساس في العمل من وجهة نظري هو التأهيل للعمل . ودون الدخول في تفاصيل هذا الموضوع وددت أن أطرح هذه التجربة للشركات السعودية وعلى وجه الخصوص شركات مقاولات مشاريع التنمية الحكومية التي تقوم بمشاريع في بعض المناطق الصغيرة والكبيرة التي تنتمي لها جغرافياً وإدارياً مجموعة من القرى والهجر وأن تعميم هذه التجربة كجزء من المسؤولية الاجتماعية في العمل سوف يساهم في تأهيل مئات الآلاف من أبناء القرى للعمل وسوف يعمل على تسكين أبناء القرى في مناطقهم وينعش التنمية في القرى بعوائد أبنائهم في العمل.

إن تبني بعض الشركات لتجربة مماثلة في مختلف أنحاء المملكة سوف يكون لها دور كبير في تخفيض نسب البطالة ونسب الفقر، مع العلم أن هناك جهودا كبيرة وتجارب سابقة قامت بها ومازالت تقوم بها بعض الشركات ضمن جهودها تجاه المسؤولية الاجتماعية، إلا أنني أرى أن أهم مشاريع المسؤولية الاجتماعية هي التعليم والتأهيل للعمل لأبناء هذا الوطن.

متمنياً على القائمين على برامج المسؤولية الاجتماعية وعلى وجه الخصوص أخي معالي الدكتور يوسف العثيمين وهو أحد أبرز الداعمين والمساندين لمشاريع المسؤولية الاجتماعية . آمل أن نضع خطة وطنية مشتركة لبرامج المسؤولية الاجتماعية في العمل وآمل أن نرى في القريب مجلسا وطنيا للمسؤولية الاجتماعية يشارك فيه صناع القرار الاقتصادي والاجتماعي لنستفيد من هذه الجهود المبعثرة في برنامج وطني له خطة واحدة ننفذها سوياً لتحقيق هدف مشترك وهو العمل من أجل محاربة الفقر والبطالة.