أتحاشى كثيرا الحديث عن قضايا المرأة وحقوقها من منطلق أننا تعودنا أن الحديث عنها يكفينا الرجل مؤونته؛ فهو يدافع عنا إن كان مؤمنا بحقوقنا، أو هو يدفع بنا بعصا النائب (المطوع) ليقول ويملي علينا ما يجب حتى ونحن نطوف ببيت الله الحرام!

وبمناسبة الطواف شعرت مرة بحالة مختلطة من الضحك والغضب وأنا أطوف ببيت الله واقتربت من الكعبة، وإذا بي أسمع رجلا ينهرني ويبعدني عن مساره قائلا بلغة عربية مكسرة: (هورما ما في يجي هنا روه بعيد) غضبت ثم ضحكت كلما تذكرت الموقف؛ لأن نهرنا أصبح ثقافة فحتى في القرب من بيت الله ممنوعات بأمر الرجل الذي لا يجيد استخدام فعل الأمر!

الغيرة على المرأة شعور طبيعي يحمله الرجل المسلم على النساء؛ لذلك نجد الرجل -شاعرا جاهليا- يوظف الغيرة ليحث قومه على فعل ما يريد: (يا قوم لا تأمنوا إن كنتمُ غيرا...على نسائكم كسرى وما جمعا!)

المرأة سافرت إلى بلاد الدنيا، شاركت في الألعاب أو جلست في مدرج ستظل قضية في حضورها وفي غيابها وفي إقصائها حتى أقصى حدود "حتى"! ومهما بقي تشجيع فريق والتعصب له مقبولا جدا في مجتمعنا، ويتحول في بيوتنا لاحتفالية فرح بالفوز أو غضب بالهزيمة، ومهما امتلأت محلات الحلويات بصور قوالب الحلوى الملونة بألوان الأندية الرياضية التي يتسابق عليها الرجال والنساء، إلا أن مواجهة صور نساء مجرد نساء غير معروفات للناس يتحول إلى أزمة!

"السوبر السعودي" في لندن حضرته مجموعة من النساء فأنكر من أنكر وأيد الإنكار من أيده، وفرح وابتهج من رأى أن هذا حق طبيعي للمرأة لا مشاحة فيه، وسخر من سخر بالمتعصبين مع أو ضد، كما أن هناك من هاجم ناقل السوبر إلى لندن وكذلك المخرج الذي ركز على تصوير النساء!

ما الذي يعنيه حضور نساء مباراة في لندن؟ ولماذا ثار الغضب عليهن. هل هي الغيرة عليهن أم الغيرة منهن؟

هل صدم بعض الرجال لأنه عاجز عن السفر أو حضور مباراة فريقه وساءه أن يرى امرأة تفعل ما عجز عنه؟ أم هل خاف من لحظة مطالبة نساء أسرته له بالسفر أو حضور المدرجات؟ وماذا لو كان حاضرا هو المباراة هل سينكر عليهن؟

بل ألا يحادث خادمته في المنزل وهي سافرة؟!

والملتحي المتدين أو الحليق عندما يواجه امرأة في سفره أو على الشواطئ، هل يشعر بالغيرة ذاتها أو يمتنع عن السفر خوفا من هذا المنظر المؤذي لوعيه؟ الواقع يقول لا، بل يفضل دعاة مرموقون المناطق البارد المملوءة بالحسان؛ للدعوة بالحسنى وليس لهم في أفريقيا مزار ولا في السميط -رحمه الله- أسوة حسنة!

غاب اللطف كالعادة عن الخطاب الموجه للمرأة السعودية من المعترضين عليها؛ فنساء السوبر وصفهن بعض السفهاء بألفاظ بذيئة تصل إلى القذف، ومنطق المهاجم أنهن سافرات ومختلطات بالرجال، والكاميرات تصورهن لغاية تجارية، أو لغاية تشويه صورتنا، وهذا يثير سؤالا: ألم ير أصحاب هذا المنطق النساء خارج المملكة إلا اليوم؟!

ملاحقة المرأة في كل مناسبة تحولت إلى علامة فارقة وماركة مسجلة حتى لو افترشت الرصيف ببضاعتها المزجاة؛ لكن المهاجم سيتعاطف بلا شك مع امرأة تقف عند إحدى الإشارات، حاملة طفلا رضيعا في حرارة تصل للخمسين وتعرضه للموت حرا أو دهسا، وقد يجود عليها راضيا بجوده الزهيد، فهو ببساطة اليد العليا، وهو في هجومه "السوبر" عليها الفكر الأوحد الأعلى بظنه. المرأة من عقود تسافر لكل مكان وتظهر نفسها بصور مختلفة لكن الكاميرات لم تكن ترافقها هذا هو الفارق. والمرأة التي تظهر بدون حجاب وتجلس في المدرج لم تمس الإسلام بسوء كما قد يفعل من يحول كل سلوك منها إلى تهمة تقذف في وجهها!

أتفهم الدهشة والغضب من البنات، ولا أفهم لماذا تطغى هذه القضية على وفاة طفلة بعد بتر يدها بسبب خطأ طبي؟!

هل افتقرنا إلى الإنسانية لهذا الحد؟! أين الرفق بالقوارير، أين رحمة الضعفاء؟

وفي نفس الأيام هذه يمر خبر آخر عن أب في إحدى شواطئ الخليج يرفض أن يقوم رجال الإنقاذ بإنقاذ ابنته، ويتركها تموت غرقا أمام عينيه من باب الغيرة على ابنته!

أخيرا، وحتى لا تتكرر الكارثة العظيمة أطالب "السوبر" أن يعين مراقبين إنجليز في الملعب تكون وظيفتهم الحرص على أن تغطي "السوبر وومن" وجهها حفاظا على خصوصيتنا!