كنت بدأت حوارا مع المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية في أحد مقالاتي الأخيرة، وكان الهدف بوضوح إرسال رسائل غير مباشرة إلى الشعب الإيراني والشعوب التي يستغلها رجال الدين حسب الطريقة الإيرانية، والتي -كما وصفتها- ترجع إلى طريقة ما قبل القرون الوسطى!

اليوم أود أن أبعث برسالة مختلفة وهادئة إلى إخواننا وجيراننا الإيرانيين، وكذا كل المخدوعين في الوصفة التي تطرحها المجموعة الحاكمة في طهران. ليس هدف هذا الخطاب التوبيخ أو اللوم، ولا توجيه الاتهام هنا أو هناك، وإنما هو خطاب إلى العقلاء من أجل إعادة التفكير في الوضع القائم بعقل حر، وما يمكن أن يكون عليه مستقبلنا طالما هذه المجموعة تحكم في طهران، وعلى ماذا سيكون وضعنا في السنوات القادمة؟

الوضع المتوتر في المنطقة يبدو أنه لم يحصل كهذا الحال منذ قرون، أن تقتتل شعوب المنطقة بشكل طائفي وتتورط دول المنطقة الكبيرة مرغمة في أن تدخل في تصارع لم يشهده التاريخ المعاصر! أنا لا أوجه كلامي للمتطرفين والمجموعات المسلحة والخارجة عن القانون سواء كانت سنية أو شيعية، فهؤلاء لم يكن لهم مكان لولا التطرف والطائفية المقابلة التي فرضتها الأنظمة هناك، وإنما تلك الدولة التي تدعم وتقف وراء تلك المجموعات المسلحة الخارجة عن سيادة الدول في كل من لبنان واليمن وسورية والعراق وهكذا منذ عدة سنوات، ولا تتورع عن أن يُقتل كل أهل البلد في سبيل بقاء نفوذهم الموجه ضد دول المنطقة!

كما أنني لا أوجه كلامي إلى حكومة الولي الفقيه وملاليه الذين يحكمون الناس بتقديس أشخاصهم وآرائهم، فهؤلاء –كما هو حال متطرفي السنة أيضا- فاقدو الإحساس والمسؤولية، ولا يختلفون عن الدواعش إلا أنهم يجلسون على كراسي كبيرة فوق عرش دولة إيران. ولا تستوعب عقولهم غير أفكارهم المتطرفة التي يؤمنون بها كما يفعل دائما المتطرفون والمتعصبون لآرائهم، حتى لو كانت النتيجة حريق المنطقة كلها بمن فيها هم، وهكذا العقل المتطرف لا يُمَكّنه تطرفُه من إدراك الحقيقة كما هي، وإنما يراها من منظوره المتعصب فقط، ولا أدري أين سيذهبون بنا وبالمنطقة كلها!

أنا هنا أوجه كلامي إلى عقلاء وعامة الشعب الإيراني الجار، وخصوصا إخواننا من الشيعة هناك، فنحن شركاء الجغرافيا والتاريخ المشترك لمئات السنين، ولا يمكن لأحد منا إلغاء وجود الطرف الآخر، وقد جرب غيرنا الحروب والعنف، ولكنهم اكتشفوا بعد ملايين القتلى والخسائر الإنسانية والمادية أنهم لم يخسروا إلا أوطانهم وأهلهم، وأنهم استنزفوا خيراتها وقدراتها لا غير! ولكن بعد ماذا! لماذا يجب علينا أن نكرر مصير الآخرين الأسود؟ ولماذا لا نستشرف المستقبل ونحفظ دماءنا وأموالنا وثرواتنا لتكون لمصلحتنا ومصلحة أجيالنا القادمة؟

يجب عليكم أيها الشعب الإيراني ألا تنطلي عليكم أكاذيب أولئك، وألا يجروكم إلى الحروب لأجل الحروب فقط! فالطائفية لا يمكن أن تعود عليكم ولا على المنطقة إلا بالسوء والتضحيات الخاسرة من كل الأطراف. ماذا لو اكتشفتم بعد كل هذا الاستنزاف في الحروب المشتعلة في المنطقة أنكم لم تستفيدوا شيئا سوى كسب بغض شعوب هذا الإقليم، وفقر واضطراب بلدكم وقتلاكم في كل مكان لأجل طموحات الملالي الذين لا تعنيهم تضحياتكم شيئا!

ماذا لو تعاونت شعوب المنطقة وبدأت صفحة جديدة نحو السلام وبناء علاقات التعاون والاحترام المتبادل؟ ماذا سيكون مصير المنطقة لو استثمرنا جهودنا في التعاون والشراكة؟ فمع كل القدرات الهائلة في المنطقة بشقيها العربي والإيراني ستكون هذه المنطقة بلا شك من أقوى مناطق العالم اقتصاديا. ولكن هيهات أن نصل إلى نتيجة كهذه طالما أن العقول المتطرفة هي التي تحكم هناك!

كانت هناك محاولات ومبادرات لبدء علاقات ثقة وتعاون من المملكة في فترة الرئيس خاتمي، وقد خطت خطوات جيدة، ولكنها كلها هُدمت عندما شعر الطائفيون أن البساط سيسحب من تحتهم، وأنه لن تكون هناك شعارات فارغة يمكن من خلالها استغفال البسطاء وقمع البقية المثقفة والعقلاء! هل ترغبون في استمرار المواجهة مع جميع شعوب المنطقة؟ لنتأمل معا كيف أن الملالي لم يتمكنوا من إقامة أي علاقة ثقة حقيقية مع جميع دول المنطقة باستثناء حكومة العراق وحدها دون شعبها كونها شبه معينة من طهران! ألا ترون المجازر التي تحصل بسلاحكم ومالكم في سورية منذ أربع سنوات؟ بقية شعوب المنطقة كلها تئنّ من ويلات تدخلات الملالي والطائفيين لديها! لماذا لا نبدأ علاقة ثقة وتعاون وتتحول منافستنا لبعضنا إلى أسلوب حضاري مفيد للمنطقة وشعوبها والأجيال القادمة؟

أعلم أن هذا الأمر صعب كونه يحتاج إلى البيئة المتحضرة التي تشجع على هذا، ويحتاج إلى تضحيات في مواجهة المتطرفين حتى من الجانب السني، ولكن بنظري أن هذه هي المعركة الاستراتيجية التي يجب أن نخوضها بسلاح الكلمة والوعي، ويجب أن تكون مشروعنا جميعا لأجل السلام والتعايش بيننا ولأجل الأجيال القادمة، وطالما بقيت الطبقة المثقفة والمعتدلة من كل الأطراف بعيدة عن البسطاء وعامة الناس وتوعيتهم وتحذيرهم من المتطرفين؛ فإننا نقول على مستقبلنا السلام!