في الأيام القليلة الماضية تابعت بعض المقالات التي أعقبت الحادثة الإرهابية الأخيرة التي استهدفت جموع المصلين بمسجد تابع لقوات الطوارئ في "عسير"، وكما جرت العادة إبان أي حادثة إرهابية يأتي البعض ليلقي باللائمة على الآخر الخارجي؛ فيتهم القوى الإقليمية والدولية ويحملها مسؤولية تجنيد شبابنا وتضليلهم، بهدف إشعال المنطقة واستدامة الفوضى، فنجد أن جل تركيزهم يدور حول ثلاثة محاور أساسية، المحور الإسرائيلي، المحور الإيراني، والمحور الأميركي، ثم في نهاية المطاف يبررون الحادثة بكل سهولة بأن التطرف حالة دولية، وأن هناك آلافا من شباب الدول الأخرى أيضا متورطون!
نحن مع الأسف دائما ما نلعب دور الضحية التي لا تملك حولا ولا قوة، جالسون في مكاننا تدب علينا المصائب والكوارث من كل حدب وصوب، ثم نردد عبارة "نحن مستهدفون" وهي المقولة التي لها جاذبيتها الجماهيرية، التي تنطلق من كراهية نقد الذات وتبرئتها عبر تحميل المشكلات للآخر الخارجي، وهي حيلة يلجأ إليها العاجز أمام مواجهة التحديات. لا شك أن للتدخل الخارجي دورا بغيضا، إلا أنه في نظري لا يعد السبب الرئيس في العنف الذي نشهده اليوم في العالم العربي والإسلامي، وإلا هل سمعت يوما أن أبناء اليابان قد تحولوا إلى قنابل موقوتة جاهزة للانفجار على الرغم من المجازر الدموية التي عانتها والتدخلات الخارجية كما لم تعانها أي دولة في العالم؟ هل سمعت يوما أن البوسنيين أو الفيتناميين أو دول جنوب أفريقيا، يخرج أبناؤها إلى تنظيمات الإرهاب رغم المآسي التي عاشوها في الماضي؟
قبل أيام كشفت وزارة الداخلية السعودية عن هوية منفذ جريمة تفجير مسجد قوات الطوارئ في عسير وهو يوسف السليمان "سعودي الجنسية" إذ يبلغ من العمر 21 عاما، وبحسبة بسيطة نجد أن عمره في 2003 عندما هزت انفجارات مجمع المحيا السكني غرب مدينة الرياض حوالى 12 عاما وفي الصف السادس الابتدائي، وهذا يعني أن مصانع التفريخ ما تزال تعمل حتى يومنا هذا، وهنا لب المشكلة التي نرفض أن نبحث فيها؛ لأن في مواجهتها ريحا صرصرا عاتية؛ لذا تجدنا نلف وندور و"نعجن" في إلقاء اللوم على المحاور الثلاثة الخارجية. المشكلة ها هنا، وحتى المستورد منها نحن من فتح له الباب. هذا الشحن المستمر والترويج لمقولة الأمة المستهدفة هو الذي جعل خطابنا الديني يستبطن أعداء أزليين في الداخل والخارج وهو الذي جعل أبناءنا يفجرون أنفسهم ثأرا لأمتهم المستهدفة.
أخيرا أقول: لن نصنع تقدما إذا تهربنا من تحمل المسؤولية، لن نصنع تقدما كما فعل اليابانيون -وقد كان وضعهم أسوأ من وضعنا- إذا لم ننشط آليات المراجعة والتقويم لذواتنا، وهذا التقدم لن يحدث إلا إذا حاسبنا أنفسنا أولا وقبل كل شيء. يقول الله تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" "وما أصابك من سيئة فمن نفسك" "قل هو من عند أنفسكم". ورحم الله شهداءنا الأبرار.