في رياضتنا بالذات، يعيش الفكر في تضاد مع المال، وتبقى معهما الأندية في حالة صيرورة، تتصارع فيها المتضادات لأمد غير معروف، ففي حقبة يبزغ نور الفكر، وفي حقبة أخرى ينطفئ نور الفكر وتهيمن على الأديم رايات المال، فترفع شعارات (المال أهم من الفكر)، عندها يطغى على السطح الرؤساء أصحاب المال ويختفي الرؤساء أصحاب الفكر.
رئيس ذو فكر، ورئيس ذو مال إنها جدلية (المال والفكر) ولكن ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة رياضية جديدة تبشر بفساد جدلية (المال والفكر)، فالجدلية تكون بين الشيء ونقيضه، الخير والشر، الظلم والعدل، الحب والكراهية، لذا جاء الرئيس صاحب القلم مثل السوبرمان ليقتل جدلية (المال والفكر)، ويعلن نهاية صيرورتها.
من الطبيعي أن يتم تنصيب رئيس ناد لأنه صاحب فكر أو لأنه صاحب مال، بينما لم نسمع برئيس ناد جلس على كرسي الرئاسة لأنه صاحب (قلم). هي ظاهرة حديثة خلقتها الحاجة الماسة نحو الحبر، فالعالم الآن يهدده خطر نفاد الحبر، لذا يبدو أن مرحلة الرئيس (صاحب القلم) هي المرحلة القادمة.
قال مكتشف لرجل من الإسكيمو: بماذا تفكر؟ فأجابه الرجل: (ليس هناك داع للتفكير، فعندي كمية وافرة من الطعام)، وبنفس هذا المنطق يفكر أنصار الرئيس صاحب المال، فلا أهمية عندهم للفكر لأن المال وافر والمنابع لم تنضب.
الفكر أساسا ينتج القلق، والإنسان عندما يفكر فإنه يخرج من جنة عدن ويهبط في هاوية القلق، فلا حاجة بنا إلى الفكر وقلق التفكير بوجود المال، انظر إلى الإنسان البدائي قبل أن يعرف التفكير، كان يعيش يومه ولا يتطلع إلى الغد، وعندما يجوع فإنه يهيم في الصحاري بحثا عن فريسة تسد رمقه.
أن نفكر، يعني أن نهتم بالقاعدة، ويعني أن نكتشف الموهبة ونصقلها وندرس اللاعب فنون الكرة منذ الصغر، وندخل في تفاصيل حياة اللاعب ونهتم بجدوله اليومي وبرنامجه الغذائي، وكل هذا يستدعي التفكير، والتفكير يستدعي القلق، فلماذا نقلق عقولنا ولدينا المال، دعونا نشتري لاعبا جاهزا، ونهتم بيومنا ونترك التفكير في الغد، هذه هي فلسفة أرباب المال ببساطة.
لم يعرف الإنسان التفكير إلا عندما اكتشف الزراعة، فالزراعة تحتاج تدبيرا وتخطيطا وانتظارا، فالزارع يعمل في يومه لغده، واضطره ذلك لأن يدرس الحساب ويتقن علم الفلك ومراقبة النجوم والشمس والقمر لكي يضبط مواسم الحصاد، وكل هذا يحتاج لتفكير ومنطق، سينتج عنه بالضرورة قلق، وبالطبع هذا لا يعجب من يرفعون شعار (المال أهم من الفكر).
جاء الرئيس صاحب القلم، ورفع شعار (من تمنطق فقد تزندق) لكي يرحمنا من التفكير والقلق، ورفع شعارا آخر يحمل عنوان (القناعة كنز لا يفنى) حتى يعفينا من دفع الأموال، فهو لا يفكر ولا يخطط ولا يدفع، بينما غيره يفكر ويخطط ويدفع، وما عليه هو إلا أن يمسك القلم ويوقع.