حسب الناقد المغاربي عبدالسلام المسدي فإن الثقافة في "المغرب" العربي تميل إلى العقلانية في تفسير الظواهر؛ ولهذا انتشرت الدراسات الجادة والمصنفات النقدية، فيما يميل "المشرق" العربي في تشكيل ثقافته إلى العمق الإنساني؛ وعليه ساد الشعر والرواية وتفوق الإبداع الأدبي. في فضاء هذا الرأي المعتبر ننظر بموضوعية -قدر الإمكان- إلى الحالة الثقافية العربية اليوم، ونطرح السؤال التالي: هل ما زلنا في مشرقنا أو مغربنا نقدم فعلنا الثقافي على أنه أولوية إنسانية وحضارية، يمكننا عبرها أن نحضر ونعيد وهجنا "التليد" في المعترك الحضاري العالمي؟ لا أحسب أننا -بفضل كثير من التداعيات السياسية والاقتصادية- بقينا على الاعتناء بمكوناتنا الثقافية، بل وبوجهنا وواجهتنا العلمية والثقافية كما كانت الحال وكنّا عليه من نصف قرن مضى فحسب. وأكاد أجزم أن الميدان الراهن بات مكتظا بالأدعياء والوصوليين، وبالمتطفلين المعرفيين كذلك، استقراء يسير يكفيك عناء الاستقصاء، ويقدم بين يديك إرهاصات الترهل والهزال الثقافي بدءا بنضوب معين النظرية، مرورا بالكيان المعرفي العام، وليس انتهاء بالفنون الجميلة التي لم تعد جميلة مع بالغ الحسرة!
فلم إذًا ليس للعمل الثقافي في حياتنا الأولوية؟ هل تراجع الاهتمام العام بهذا الحقل الإنساني له مسبباته الخفية؟ لمَ أصبح معترك لقمة العيش -وهو حق مشروع- مقدما بل ويشغل تفكير كل منا، فيما نصِم المهتمين بالشأن الفكري والثقافي بالعزلة والتصومع وأحيانا الهذيان؟! لا إجابة شافية أو على أقل تقدير مقنعة، فالمراقب هنا للحالة التي تردت معها عناصر الثقافة -حتى داخل المؤسسات المعنية- يلمس ما يشبه الإقصاء أو التهميش لكل ما هو ثقافي أو فني، جمعيات الثقافة والفنون تئن وتتوجع، كثير من الأندية الأدبية لم تفق من سباتها بعد واستحالت إلى طواحين إدارية نمطية، قنوات تلفزيونية تزعم تخصصها في الشأن الثقافي غير أن نتاجها لا يشي بذلك على عدة مستويات.
اليوم ونحن نعيش التظاهرة الثقافية التي يحملها سوق عكاظ، يحدونا أمل كبير في عودة جريئة إلى التذكير بأن للثقافة وللوعي العام أولوية جديرة بالانتباه، بل العيش في كنفها، وتمثل حضورها في شتى مناحي حياتنا.. يأتي عكاظ التاريخ والثقافة ليجدد الحال، ويضيء شموع التوهج الفكري والإبداعي، وليعلن أن فينا ومنا من لا يزال يؤمن -حق الإيمان- أن الحراك الثقافي وقود مهم ورئيس لكل مفاصل التنمية في بلادنا وفي البلاد العربية بعامة مشرقها ومغربها. شكرا عكاظ؛ فكرة وعملا ونتاجا.