الجوال الآن أصبح بمثابة سكرتير إعلامي شخصي، هذا السكرتير الذي أدفع راتبه أنا ويعمل لي بشكل كامل، يسافر معي وينقل لي كل ما يحدث في الدنيا، وسكرتير إعلامي يستخدم كل الوسائل ليجعلني راضيا ومطلعا، فيجعلني مشتركا في كل مجموعات "الواتساب" مثلا لتكون هي قنواتي وتواصلي مع الآخرين، لذلك تناقل الفيديوهات فيما بيننا لا يخضع لقانون المجاملة؛ لأن الجميع يقوم بغربلة ما يتلقاه لتحديد ما يرسله.
أصبح الواتساب أحد أشكال الظل الإخباري الموثوق وغير الموثوق، ولكن في الفترة الأخيرة لاحظت العشرات من الفيديوهات التي تحمل شعار قناة الإخبارية تنتشر في الواتساب مثل: تقرير تلفزيوني عن إحباط محاولة شحن مخدرات في طائرة صغيرة دون طيار. في فيديو آخر كان مراسل الإخبارية يتحدث على الهواء مباشرة من خميس مشيط ومن أمام بيت الإرهابي الذي قتل والده أثناء مداهمة الأمن. وأخيرا، التغطية المباشرة المحترفة لكارثة تفجير مسجد قوات الطوارئ الخاصة في عسير. تراكم كثير من الفيديوهات جعل "الإخبارية" حاضرة في ذهني، وأنا أمسك "الريموت كنترول" لأنتقل ما بين العربية والإخبارية، بينما سابقا كنت لا أحتاج "الريموت كونترول" لأن الإبقاء على العربية في شاشتي هو الخيار الأول والأخير. الخيارات اختلفت مع خبرة الصناعة الإخبارية التي قدمها مدير "الإخبارية" جاسر الجاسر الذي جاء بخلفية "مشاغبة" من الوطن والشرق.
في الصحافة الورقية، إذا كنت صحفيا هادئا فأنت لن تحصل إلا على راتبك الشهري، وإذا كنت مشاغبا فأنت ستحصل على حقيقة الصناعة الإخبارية، ومن المدرسة المشاغبة خرج جاسر الجاسر. اختلفت الأداة بالنسبة إليه، من القلم في "الصحف" إلى الكاميرا في "الإخبارية"، إلا أن الشغف والحس هو الذي بقي، وهو الذي يحدث فرقا بين من يدير من أجل البقاء في كرسيه، وبين من يدير من أجل أن يكون محترفا وواقعيا دون قلق أو خوف من ردود الأفعال.
التحول النوعي في مسار الإخبارية جعل معالي وزير الإعلام -كما سمعت- يعزل الإخبارية عن باقي القنوات، وجعلها مرتبطة مباشرة به ربما لتحفيز وتسريع نموها، وعزلها عن باقي المؤثرات السلبية، إن صدق الرواة فإنها إعادة هيكلة جريئة ونوعية. ثمة شيء يحدث في قناة الإخبارية. هناك "مؤامرة جميلة" للتطوير بصمت دون أن يعلم أحد.