جاء إعلان وزارة التجارة عن تغريم شركة خرسانة نصف مليون ريال بعد تسببها في انهيار مبنى أحد المواطنين، ليفتح الباب على ما يشهده قطاع البناء من عشوائية وغياب للرقابة، بحسب مختصين.

وكشف عضو الهيئة السعودية للمهندسين مذكر القحطاني لـ"الوطن" أن مصنعي الخرسانة يقومون بالتلاعب في نسب مكوناتها من خلال إضافة كثير من الماء، وقال "صندوق التنمية العقاري يمنح ما لا يقل عن 50 ألف قرض سنويا، ويترك المواطن دون أي نوع من التوعية".




عزا متخصصون في المقاولات انهيارات المباني والتصدعات التي تظهر على المنازل الحديثة إلى "التلاعب" بمكونات الخرسانة، مؤكدين أن البناء في المملكة يشهد عشوائية كبيرة لعدم وجود جهة رقابية ومشرفة على المبنى إلى حين الانتهاء من البناء.

وكانت وزارة التجارة والصناعة أعلنت أخيرا صدور حكم نهائي مؤيد من محكمة الاستئناف بالرياض يقضي بفرض غرامة مالية قدرها نصف مليون ريال على إحدى شركات الخرسانة والمنتجات الأسمنتية بمدينة الرياض، إثر توريدها خرسانة غير مطابقة للمواصفات القياسية المعتمدة، تسببت في انهيار مبنى أحد المواطنين، حيث أثارت الغرامة عددا من التساؤلات حول بعض التجاوزات في قطاع البناء، وبخاصة أنواع الخرسانات المستخدمة في المنازل.

أنواع الخرسانات

وأشار عدد من المقاولين إلى أن بعض مصانع الخرسانات بالمملكة تستخدم أنواعا غير جيدة، مطالبين في الوقت ذاته بضرورة توحيد نوعيات الخرسانات المستخدمة.

وأوضح رئيس اللجنة الوطنية للمقاولين بمجلس الغرف السعودية فهد الحمادي خلال حديثه إلى "الوطن"، أن منتج الخرسانة يحتاج إلى معايير محددة، منبها إلى أن "البحصة" التي تعد أحد العناصر المهمة في الخرسانة لها أنواع جيدة ومقاومة، بينما البعض الآخر منها هشة ومتفتتة، مؤكدا أنه من الضروري تطبيق المواصفات الخاصة بالمعايير الدولية في تصنيع الخرسانة وكمية الأسمنت فيها، داعيا إلى إعادة النظر في مختبرات الخرسانات، وتطبيق المقاييس والنسب الصحيحة سواء في الأسمنت والماء وغيرها من المواد المضافة، والتأكد من جودتها.

وأعرب الحمادي عن أمله بوجود تضافر بين وزارة التجارة والصناعة وهيئة المواصفات والمقاييس والأجهزة الحكومية لإعادة النظر في تطبيق المعايير الصحيحة على الخرسانات، مشددا على ضرورة أن يتم تكليف مهندس متخصص للمشروع للمتابعة والإشراف على المبنى لحين الانتهاء، وأضاف: "إحدى المشكلات الرئيسة في المهندسين والمصممين عملية اللصق واللزق، وهذا ليس بجيد، ولذلك يجب على وزارة الشؤون البلدية والقروية والأمانات أن تلزم المالك التعاقد مع مكتب الحي وبأسعار رخيصة لمتابعة تلك المشاريع حيال تسلم كل الأدوات الجيدة والصحيحة من الخرسانة و"البحص" والحديد وغيره، ليتولى هذا الأمر بدقة وعناية".

العمائر والأبراج

وأفاد الحمادي أن المباني ذات الدور والدورين لا يوجد بها مشكلات وتصدعات مخيفة بقدر الأبراج والعمائر الشاهقة التي تثير المخاوف لوجود الكثافة البشرية بها، مؤكدا أن الحلول تكمن في التعاقد المشروط من قبل الأمانات مع إحدى المكاتب الجيدة حتى انتهاء الرخصة ليتحمل ذلك المكتب المسؤولية الكاملة مستقبلا.

عمر افتراضي

من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لمشروع "بيتك عامر" عضو الهيئة السعودية للمهندسين مذكر القحطاني لـ"الوطن"، إن بند الخرسانة هو المسؤول الأول والحاسم في مسألة العمر الافتراضي للمساكن وليس الحديد والدهانات وغيرها، كاشفا أن مشكلة الخرسانات الجاهزة تتمثل فيما يقوم به مصنعوها من تلاعب في النسب من خلال إضافة الكثير من الماء إلى الخرسانة الجاهزة، وأضاف "بعض المقاولين هم من يقنعون المالك بضرورة وضع الماء حتى تكون الخرسانة سهلة ويستطيع التعامل معها أفضل من أن تكون ناشفة وقوية، مما يصعب عملية التعامل معها في الموقع، ويتطلب اللجوء إلى هزاز وعمال وغيره من مصاريف أخرى، وهذا خطأ فاحش يؤدي إلى ضعف الخرسانة وينقص من عمرها الافتراضي إلى أقل من النصف".

الخلاطات اليدوية

وعن الخلاطات اليدوية، أشار القحطاني إلى أنها الأسوأ، معللا ذلك بأن من يعدها هم عمالة سائبة تتلاعب بالنسب ما بين الخرسانة والرمل والأسمنت، وأردف قائلا: "حينما يعكسون النسبة في المكونات من خلال اختبارات عدة أشرفت عليها الهيئة فقد اتضح أن وزنها في حدود 100 كجم، بينما يفترض ألا تقل عن 250 كجم بحسب المواصفات والمقاييس الصحيحة".

وزاد "أخطاء الخرسانة تأتي من "المقاولين أبوشاكوش" الذين ينحصر هدفهم في الكسب المادي وليس لديهم عنوان ولا هوية ولا يتقيدون بالمهنية، وفي بعض الأحيان تأتي من صاحب المبنى لجهله بموضوع الخرسانة، وقطاع السكن لدينا أصبح دما مسفوحا على جميع الجبهات ولا نعلم من المسؤول عنها سواء وزارة التجارة أم الإسكان وغيرها، ولا يوجد من يهتم بالمواطن وسكنه لكون المصمم يعطي التصاميم لصاحب المبنى، ومن ثم تنتهي العلاقة بشكل نهائي".

وأضاف أن صندوق التنمية العقاري يمنح ما لا يقل عن 50 ألف قرض سنويا، ويترك المواطن دون أي نوع من التوعية، كاشفا وجود تنسيق بين الهيئة والصندوق ووزارة الإسكان وأمانة الرياض لتوعية المجتمع بالخطوات الصحيحة وإعطائه شروطا موضحة، وقال: "نأمل أن تتضافر الجهود حتى نحصل على مسكن آمن واقتصادي"، مشددا على التوعية الاجتماعية والتنظيمية عبر وسائل الإعلام مع ضرورة إيقاف هذه المشكلة عن طريق وضع الاختبارات المتعلقة بقياس قوة الخرسانة في المباني الجديدة وكذلك القائمة.