التعليم، التربية، البطالة، الفقر، الفساد، فوضى الخطابات الدينية والثقافية، كثيرة هي الأسباب التي تجعل التطرف ظاهرا للعيان لكنها أبداً لا تستحدثه، لا تتحمل كامل وزره، لا يمكن أن نلوم التعليم على وجود التطرف، لا يمكن أن نلوم البطالة والفقر والفساد، فكل هذه تعتبر عوامل ثانوية يتكئ عليها التطرف بعد أن يكون قد نهض وبدأ المسير.

إننا حين نلوم التعليم، التربية، البطالة، الفقر، الفساد.. إلخ، فإننا نستغل وجود التطرف لنمرر بعض الأهداف والأطماع والآمال، نطالب بتغيير المناهج الدراسية غاضين الطرف عن حقيقة أن هنالك متطرفين درسوا في الخارج، نطالب بحل مشكلة البطالة معتقدين أن العاطل وحده الفريسة السهلة للتطرف، نطالب بكثير من الأشياء المشروعة والمطلوب أن يجري عليها التعديل باستمرار، إلا أن الخلل حين نربط بين تلك المشاكل الاجتماعية وبين التطرف.

إننا حين نفعل، حين نربط بين هذه المشاكل الاجتماعية وبين التطرف فنحن لا نبحث عن علاج للتطرف إنما نبحث عن مسكنات نحقن بها أنفسنا، حالنا كحال طبيب أصيب بصداع من صراخ المريض فأخذ بعض المسكنات، تاركا المريض يصرخ!، نعم، يجب أن نلتفت دائما للمشاكل الاجتماعية كالبطالة والفقر والفساد، يجب أن نعالج كل هذا طيلة الوقت وليس فقط حين يطل علينا التطرف، لأننا حين لا نلتفت إلى مشاكلنا إلا بعد نشوء التطرف فنحن نقوم بردة فعل لا أكثر، وردة الفعل أبدا لا تمنع الفعل من الحدوث.

إن التطرف في الأول والأخير هو آفة "روحية عقلية" لا تفرق بين متعلم وجاهل، موظف وعاطل، فاسد وشريف، الجميع عرضة للإصابة بهذه الآفة، إن التطرف يستغل ما هو متوفر أمامه، إن وجد خطابا دينيا فوضويا أمامه سيقوم باستغلاله، فإن عالج المجتمع فوضوية الخطاب الديني سيسلك التطرف أي اتجاه آخر، فإن عالج المجتمع كل الاتجاهات فليس أسهل من أن يسلك التطرف طريقا لا ملامح له ولا هدف، تطرف لمجرد التطرف، وإحداث فوضى لمجرد الرغبة في إثبات الوجود، فما الحل؟!

إننا نخاف من الحل!، وإن للحل شقين، أولهما أن يتم إرهاق الجميع بالدوران في عجلة الإنتاج، أن يتحول المجتمع إلى مجتمع منتج، لدولة صناعية، فالإنسان الذي يبني الذي يستشعر أنه أحد المساهمين في الإنتاج سيستصعب الهدم جدا، سيستعيذ بالله ألف مرة إن فكر في أن يهدم، لأنه يُدرِك أنه إن هدم فسيهدم ما بنته يداه، الحل ليس في تغيير التعليم أو محاربة الفقر والفساد رغم ضرورة التغيير هنا، إنما الحل في بناء المصانع، في دعم كل فكرة وإن كان العائد المادي منها متواضعا، الحل في أن ينشغل الجميع بالبناء لكي لا يشغلنا بعضنا بالهدم.

أما الشق الآخر من الحل فأن يفتح الباب على مصراعيه للحوار، فإننا وبرغم مرارة ما تجرعناه من التطرف حتى الآن، لم نتحاور أبدا، لم نتناقش أبدا، كل ما فعلناه أن بعضنا تقدم للإعلام ليعظ ويخطب وبعضنا الآخر تقدم ليشتم ويصرخ، وإن الحل ليس أن نتحاور حول التطرف أو نحاور المتطرفين، الحل أن نضع كل معتقداتنا ومبادئنا وأفكارنا سواء الدينية أو المادية على طاولة التشريح. الحديث هنا ليس عن نقاش يدور بين شخصين يستعرضان عضلاتهما المعرفية، إنما الحديث عن تفعيل ثقافة الحوار.

إن عمليتي الحوار والإنتاج من أهم علاجات الأمم والشعوب، لأنه بلا حوار علني وصريح لا مكان فيه للمجاملات، بلا عملية إنتاج وبناء، سيظل كل داء في حالة تمدد، ستكون هناك الكثير من أوقات الفراغ والخواء الفكري، طالما الكثير من المعتقدات والآراء تقبع خلف قضبان التقديس فلن نعرف مواطن الخلل، وإن عرفنا فلا يحق لنا الاقتراب منها نقدا أو للنقاش، طالما كل المواد يتم استيرادها فسيمضي التطرف غير آبهٍ بكل ما نجريه من تغييرات على المواد الدراسية وبكل الوظائف التي يتم استحداثها، لأن مادته الأساسية هم هؤلاء الذين لا يستشعرون بقيمة لأي شيء.