نحن بارعون في التنظير وسط القاعات المكيفة.. لو أن كل فكرة لاقت استحسان الناس تم تنفيذها لقفزت بلادنا بصورة سريعة إلى الأمام..
تأمل معي هذه الحالة.. إلى وقت قريب كان اهتمام المجتمع بالمعاق ينحصر في توصيف حالته.. هل هو معاق، أم معوّق، أم من ذوي الاحتياجات الخاصة!
توصلنا إلى اتفاق مرضٍ للجميع.. قررنا تسميتهم بـ"ذوي الاحتياجات الخاصة"! تجاوزنا مأزق المشاحة في الاصطلاح.. أدركنا أمرا مضحكا آخر؛ حينما حبسنا المعاقين في بيوتهم، وأضفنا إلى إعاقتهم إعاقة أخرى، وذهبنا نطرح أسئلة: أين هم المعاقون الذين تصرف لهم الدولة الملايين؟ لماذا لا نراهم بيننا؟!
كنا نفعل ذلك دون أن ندرك أننا نحن من وقف حائلا بينهم وبين الحياة!
المعاق في بلادنا يعيش حياة مُنعّمة باذخة -على الورق بطبيعة الحال- وحينما تتأمل حالته على الأرض تشعر بالبؤس.. أو كما يقال "حالة عدوّك"!
ذاكرتي تحفظ صورة امرأة معاقة شاهدتها تتسوق في أحد المراكز التجارية بواسطة كرسي متحرك قبل سنوات.. خارج المجمع أتخيل حال هذه المعاقة إن أرادت الانتقال نحو الشارع المقابل.. هل كانت تستطيع؟ كيف بإمكانها تجاوز هذا الرصيف؟ وإن استطاعت العبور بمساعدة الآخرين، هل ستتمكن من دخول البنايات في الجهة المقابلة؟! ثم لو أرادت استخدام وسائل النقل العامة وسيارات الأجرة هل كان بمقدورها ذلك؟ هل تمت تهيئة وسائل النقل لخدمتها؟!
كما قلت في السطر الأول، أفكارنا جميلة وبارعون في التنظير تحت المكيفات.. لكن الواقع لا شيء يستحق.. لا شيء يفرح القلب.. البيئة ليست "مول تجاري" فقط.. البيئة تضاريس أسمنتية متنوعة.. لا يقوى على عبورها الأصحاء فكيف بالمعاقين..!
يجدر القول من واقع مشاهدات عابرة أن صورة المعاق في بلادنا بدت -خلال هذه السنة- أفضل بكثير منها في السابق.. لكن هذا ليس كل شيء..
تذكروا دائما: المشكلة ليست في المعاق.. كثير من المعاقين جسديا وضعوا بصمات لا يمكن محوها بسهولة.. المشكلة في حركتنا البطيئة من نقل الدراسات والتوصيات إلى.. الواقع!