بعد الكوارث التفجيرية التي طال شرها هذه البلاد، نجزم بأننا لم نعد نحتاج من بعض قادة الفكر الدعوي عبارات الشجب والاستنكار؛ لأنها مفردات باتت بالية وثقيلة كالحجر، فقد أعيتنا الألفاظ وكرهنا تكرارها، ولم نجدها إلا أشد قسوة وثقلا حينما تصدر من بعض أولئك الذين كانوا سببا في تراكض الشباب نحو من يغرر بهم في الخارج، هم فقط يسابقون في الاستنكار والشجب، وتمنينا لو أنهم سكتوا لأنهم يذكروننا بسوءتهم الأولى. تمنينا أن يكون هؤلاء المستنكرون رأس حربة ضد الأفكار الهدامة؛ مبادرين للتصدي لها، والأهم أن يكون سبيلهم تنوير الشباب عن المخاطر التي تهددهم، الشر الذي عليه داعش والقاعدة، وتفنيد وإظهار الوعود الكاذبة التي يغرسونها في مخيلة الشاب الباحث عن الحور العين والجنة.
لا نريد استنكارا بل تنويرا.. عبر توجيه العدد الكبير من المتابعين لهم على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأجل حماية الوطن والدفاع عن حياضه بحماية شبابه أولا من الفكر الإرهابي المتطرف، نريد أن يكونوا عونا لا أعضاء مناصحة بعد أن يثبت الجرم، وقبلها متسابقين رئيسيين في الاستنكار والشجب. لا نحسدكم على الأرصدة الكبيرة من المال والمتابعين بالملايين على مواقع التواصل رغم أن من صفات الشيوخ الربانيين الزهد مالا وأضواء، لكن نريد منكم أن تكونوا عونا، خاصة وأنتم تتسابقون لتصدر الأحداث، نريده تصدرا لحماية الشباب قولا وفعلا.. لا "تشخيصا" وبحثا عن أضواء. كونوا عونا للوطن وأسهموا في توعية أبنائه في وقت السلم والهدوء قبل التفجيرات، فنحن لا نحتاجكم حين يقع الفأس في الرأس لأن كمية الشجب والاستنكار ستحضر كثيرا وعباراتهما لم نجد فيها نفعا.. أطلقوا "الوطني" الذي في صدوركم فعلا لا قولا، كي نحترمكم أكثر. أسهموا في تغيير المفاهيم حتى لو من باب رد الدين والاعتذار عن الخطأ السابق؛ لأن بعضكم ممن أسس مفهوم دفع الشباب للجهاد خارجيا.. ويا لسوء هذه الدعوات التي ارتدت على بلدنا ومن أبنائها. إذا لم يكن قادة الفكر المتدين -ممن يتصدرون مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الدينية- حاضرين بقوة في الساحة؛ لوأد كل اختطاف فكري لأبنائنا فما الذي نرجوه منهم؟ نقول: ارموا "بشوتكم" واحزموا أمركم واجعلوا توعية الشباب سبيلكم، أجلوا تطيبكم بالبخور وعبق دهن العود، اخرجوا من قصوركم، واذهبوا إلى الشباب في مدارسهم وجامعاتهم وحتى استراحاتهم، وأخبروهم حقيقة الجهاد ومن يريدون بهم شرا، فهنا تكمن حاجة وطنكم لكم. تنوير الأفكار وإعادة الشباب إلى طبيعتهم ليست مسألة فيزيائية موغلة في الغموض يصعب فهمها، بل هي إقناع فكري بالأدلة يحتاجونه، ولأنكم تخليتم عنهم فالمؤكد أن هناك من ملأ رؤسهم بالتدمير وأفكاره، وكأنه فرض لاكتمال حياتهم الدنيوية والأخروية، علّموهم كيف يحبون وطنهم وأهلهم وناسهم وقادتهم وعسكرهم، بيّنوا لهم أن ليس هناك أقذر ولا أشد كفرا من تفكيك السلم الاجتماعي ومحاولة تدمير البلاد والعباد سواء بالمتفجرات أو بالأفكار.
نقول اخرجوا من عباءاتكم المذهبة فهنا تكمن حاجتكم، ونثق أنكم حين تفعلون ستوفرون عبارات الشجب والاستنكار التي طفقتم ترددونها علينا حين كل مصيبة، وستجدون الدعاء الخالص أن يحفظكم الله ويزيد من خيركم دنيا وآخرة.