في هجوم ليس الأول من نوعه، وقد لا يكون الأخير في ظل استمرار تدهور الأوضاع الأمنية في عدن، أقدمت عناصر مسلحة على اقتحام واحدة من أشهر وأقدم الكنائس القائمة في المدينة، وهي كنسية سان جوزيف، وإشعال النيران فيها ما أدى إلى تدمير أجزاء واسعة منها.

وقال شهود عيان لـ"الوطن" من الذين زاروا الكنيسة المحترقة، المعروفة محلياً باسم "كنيسة البادري"، إن عددا من المسلحين اقتحموا الكنيسة، وأشعلوا النيران فيها. كما منعوا الأهالي من إطفاء النيران، وهددوهم بالسلاح. وأكد شهود العيان أن الكنيسة التي تبعد مسافة أمتار قليلة عن مسجد "أبان"، الذي يُعد من أقدم وأشهر المساجد في عدن، كانت قد توقفت منذ عدة سنوات عن استقبال المسيحيين. وأدى الحريق إلى إحداث أضرار كبيرة في الكنيسة التي أنشأت عام 1852 كمدرسة للراهبات، قبل أن تضاف إليها كنيسة للروم الكاثوليك.

طمس الهوية الثقافية

ووصف المدير العام لهيئة الآثار في عدن، محمد السقاف، الاعتداء بأنه "حلقة جديدة من حلقات مسلسل تدمير وطمس الهوية التاريخية والثقافية والإنسانية لمدينة عدن، وتهديد حالة التسامح الديني والقبول بالآخر"، وهي التصرفات التي قال إنها بدأت منذ فترة ما بعد حرب 94، التي شنها نظام المخلوع صالح ضد المحافظات الجنوبية.

وأضاف السقاف في تصريحات إلى "الوطن": "عدن تضم ثماني كنائس مسيحية، وعدداً من المعابد اليهودية والهندوسية والبوذية، التي تم بناؤها في الجزء الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، بداية عام 1850م، وأن جميع تلك المعابد ودور العبادة لم تعد تمارس أي دور ديني، وأنها فقط تحولت إلى دلالة رمزية وثقافية، وجزء من الهوية التاريخية والثقافية لمدينة عدن، التي تميزت عن باقي مدن الجزيرة العربية باحتضانها لأتباع كافة الطوائف والديانات والعرقيات، رغم صغر مساحتها الجغرافية، دون أن يُثير ذلك أي صراعات عرقية وطائفية. وهو الأمر الذي يُراد الآن تدميره وطمسه – حسب وصفه.

استهداف معالم المدينة

وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها دور العبادة والمزارات والأضرحة في عدن للتدمير، والطمس، والحرق، والهدم، حيث أقدم مسلحون خلال الشهر الماضي على هدم ضريح الحبيب الشاطري العلوي، الذي يعود تاريخ بنائه إلى أكثر من 300 عام في مُديرية المعلا. فيما أشار بعض الأهالي في المدينة إلى أن مُسلحين قدموا إلى مسجد العيدروس، في محاولة لهدم المزار الذي يتوافد الزائرون إليه مرة كل عام منذ أكثر من 600 عام، غير أن الأهالي حالوا دون إتمام العملية، وهو ما دفع المسلحين إلى المغادرة والتوعد بالعودة لتنفيذ العملية.

ويقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء، الدكتور عادل الشرحبي، إن تنظيم القاعدة كحركة إرهابية فشل في إيجاد أي مشروع سياسي، فلجأ إلى هذه العمليات، واستغلال عاطفة الناس من خلال الحديث عن هذه المزارات ودور العبادة والتحريض ضدها، مُتهماً جهات في صنعاء بتحريك هذه الجهات في الجنوب. ووجه الشرحبي أصابع الاتهام إلى المخلوع صالح بالوقوف خلف هذه العمليات من خلال دعم القاعدة، خصوصاً في مناطق جنوب اليمن لإرباك المشهد بعد الانتصارات التي حققتها المقاومة في الجنوب.