"الحج بالإنابة" أو "حج البديل" عن الموتى والمرضى، على الرغم من مشروعيته بضوابط إلا أنه أصبح وسيلة للنصب والاحتيال، حيث دخل المحتالون على خط الحج بالإنابة مستغلين جهل البعض بضوابطه واشتراطاته، فيما تشهد مواسم الحج انتشارا لإعلانات الحج البديل في مواقع التسويق الإلكتروني والتواصل الاجتماعي. وخلصت نتائج تحقيق استقصائي أجرته "الوطن" استغرق أياما عدة إلى أن عروض الشركات والمجموعات والأفراد من الجنسين رجالا ونساء، وهمية أو لا يمكن التثبت من مصداقيتهما، إذ تكشف أن 90% من العروض وهمية وهي عبارة عن نصب واحتيال بينما الـ10% المتبقية لا يمكن التثبت من مصداقيتها. 




عروض متفاوتة

الشركات والمجموعات والأفراد الذين تم رصد إعلاناتهم عن تقديم الحج البديل سواء من تم التأكد من عدم مصداقيتهم أم لم نتمكن من التثبت من حقيقتهم، تتفاوت رسوم الحج البديل لديهم، وكان أعلى عرض 10 آلاف ريال وأقل عرض 800 ريال.


 





شركات وهمية


خلال فترة الاستقصاء وجمع المعلومات من الإعلانات تم العثور على شركات عربية وخليجية تدعي تقديم حج البدل، واتضح بعد التواصل مع عدد منها وإجراء بحث دقيق حول مصداقيتها، أنها شركات وهمية لا وجود لها على الأرض سوى على صفحات مواقع التسويق الإلكتروني، والتواصل الاجتماعي، إضافة لاكتشاف عشرات المجموعات والأفراد يمارسون الاحتيال عن طريق الحج البديل.


 


تسويق إلكتروني


أحد إعلانات الحج البديل المنشورة في موقع تسويق إلكتروني لشركة إماراتية - تحتفظ الوطن باسمها -، دونت مع الإعلان المنشور رقمين للاتصال الأول سعودي والثاني إماراتي، وبعد البحث عن الشركة في قوائم شركات الحج والعمرة المعتمدة بالإمارات، لم يكن لها وجود كما لم يعثر على عنوانها أو حتى رقم هاتف ثابت، واقتصر وجودها فقط على صفحات حسابات متناثرة بعدد من مواقع التواصل ينشر من خلالها بروشورات رديئة الجودة لإعلان للشركة في مجالات عدة، منها الدعاية والإعلان والمقاولات وخدمات التسويق الإلكتروني وبيع المتابعين "تويتر_انستجرام"، وجميع بروشورات الشركة لا يوجد فيها رقم ترخيص أو عنوان رسمي.


 


تحايل ونصب

وللتأكد من نشاط الشركة أجرى مراسل الصحيفة اتصالا بالرقم السعودي المدون في الإعلان باسم "زينب"، وأجاب على الاتصال رجل لم يذكر اسمه وأكد أن الشركة تقدم خدمة الحج البديل بمقابل مادي سيرسله عبر "الواتساب"، وعند سؤاله عن نظامية الشركة وهل تحمل تصريحا رسميا بدا عليه الارتباك والتلعثم في الحديث، وقال: "الشركة مقرها الإمارات وأنا مجرد مندوب ولا أعلم شيئا آخر" وأنهى المكالمة بعد ذلك.

وبعد تهرب مندوب الشركة جرى التواصل مع مدير الشركة عبر رقم الهاتف الإماراتي عن طريق "الواتساب"، واكتفى بإرسال جدول تفصيلي لرسوم الحج البديل وأسعار الأضاحي التي تتقاضاها الشركة، وجاءت كالتالي: حج الإفراد 2200 ريال، حج التمتع 2600 ريال، حج القران 2500 ريال، الأضاحي: تيس بربري 450 ريالا، سواكني 1000 ريال، حري 1200 ريال.


 


المقابل 3 آلاف ريال


أحد الإعلانات المنشورة في موقع تسويق إلكتروني عن الحج لفتيات يرغبن بالتوكل عن الموتى والمرضى، وبعد التواصل معهن عن طريق المواقع أكدن استعدادهن للتوكل عن المرضى والمتوفين مقابل 3 آلاف ريال، وعند سؤالهن عن طريقة الدفع طلبن أن يتم عبر شحن بطاقات الاتصال أو بطاقات الإنترنت.


 


التخفيض ابتغاء للأجر


أحد الإعلانات بموقع تسويق إلكتروني كان لشركة مصرية حاولنا التواصل معها عبر الهاتف المدون بالإعلان وكان الرقم غير صحيح، وجرى التواصل معها عبر رسائل الموقع، وكان الرد أنهم مجموعة شباب من مصر الجديدة وعلى استعداد للحج عن المتوفين والمرضى السعوديين مقابل ألفي ريال للحاج، تم تخفيضها بعد التفاوض إلى 500 ريال، مشيرين إلى أن ذلك حرصا منهم على عدم التفريط في الأجر.


 


الدفع بالدولار


إحدى شركات الحج الليبية التي تقدم خدمة الحج البديل جرى التواصل معها لكن القائم عليها رفض استقبال طلبات حج بديل من خارج ليبيا، وكان اللافت في إعلانها هو تقاضي رسوم الحج بالدولار، إذ حددت سعر الحج البديل المفرد 1400 دولار، حج البديل المتمتع 2000 دولار.


 


توثيق الفريضة


أحد الأفراد أعلن استعداده التوكل للحج عن المتوفين أو المرضى مقابل مبلغ مادي بسيط لم يحدده، وللتأكيد على مصداقيته قال: "أنا شاب متزوج من أهل مكة وأقيم حاليا في القصيم، وأرغب بالحج أو العمرة عن متوفى أو مريض"، مؤكدا أنه سيزود من ينيبه بتوثيق تأديته جميع مناسك الحج بالصورة، إضافة إلى توثيق الدعاء لمن توكل للحج نيابة عنه، مع شهادات مصورة من الحجاج الذين يكونون بجواره يؤكدون على أنه أتم الحج والدعاء للميت في وقفة يوم عرفة، إضافة إلى تسجيل كل شاهد منهم رقم جواله للتأكد من مصداقيته من الشهود مباشرة.


 


حج عائلي


وكشفت "الوطن" خلال رصدها، بأن هناك أحد المعلنين عن الحج البديل شاب عمره 18 عاما وحج ثلاث مرات عن نفسه ويريد أن يحج عن عاجز أو متوفى مقابل مبلغ مالي. فيما رصدت أحد الراغبين بالتوكل للحج عن المتوفين والمرضى وعرف عن نفسه بـ"مطوع" يحج بالإنابة هو وزوجته بمقابل مادي طلبا للأجر.


المفتي يحذر


شدد مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث والإفتاء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، على عدم جواز توكيل شركات الحج لتأدية فريضة الحج عن المتوفين أو المرضى، وحذر في الوقت نفسه من التعامل مع هذه الشركات وتوكيلها لتأدية فريضة الحج، لما يترتب على ذلك من شك بتقديم جمع الأموال على الإخلاص بتأدية الفريضة الموكلة بها.

وأكد سماحة المفتي في تصريح إلى "الوطن"، أنه لا يجوز توكيل الشركات لأداء فريضة الحج نيابة عن أحد، مضيفا بأن الحج بالإنابة يجب فيه تحري توكيل الأشخاص الثقات من طلبة العلم ولا يصح توكيل الشركات بذلك، وقد يخشى بأن تقدم الشركات جانب الربح المادي على الجوانب الشرعية التي يجب توافرها لاكتمال شروط وواجبات فريضة الحج.

وقال مفتي المملكة: "يجب على من لديه قريب متوفى أو مريض عاجز لم يتمكن من أداء فريضة الحج، ولا يستطيع الحج بنفسه، الاجتهاد والحرص على توكيل الأشخاص الثقات المشهود لهم بالعلم والمؤهلين للحج بالإنابة عن أقربائه، وبإذن الله سيتوفق بمسعاه ويجد من يثق بعلمه وصفاء نيته. ممن يبتغون الأجر والثواب".

 


الحج تتبرأ


نفت وزارة الحج وجود أي علاقة تربطها بإعلانات شركات "الحج بالإنابة"، مؤكدة أن مثل هذه الإعلانات يترتب عليها جمع للأموال، التي من المفترض أن تكون مرخصة لجمعها.

وأكد مصدر مطلع بالوزارة لـ"الوطن"، عدم نظامية شركات "الحج البديل"، مشددا على عدم وجود علاقة لوزارة الحج بإعلانات الشركات المذكورة، مؤكدا أن الحج النظامي يتم من خلال الشركات والمؤسسات المرخص لها بالخدمة من الوزارة فقط.