في حج العام قبل الماضي، تصادف أن كان معي في حملة الحج أحد الشباب الذين كنت أعرفهم قبل أكثر من عقد من الزمن، حينها كان هذا الشاب مشهورا بالتهور في قيادة السيارة، ومسببا الكثير من الإرهاق النفسي لوالده. ومن المؤكد أنه بعد هذه السنين سيبدو متغيرا في سلوكه للأفضل بحكم أنه تجاوز مرحلة المراهقة. لكن كيف كان هذا التغير؟
ومع أنني كنت سمعت الكثير عنه، وعن العديد من رفاقه في تلك المرحلة، وتحول بعضهم إلى مرحلة فكرية خطيرة تحتاج إلى معالجة العقل قبل أي معالجات أمنية، إلا أنني ذهلت مما سمعت بنفسي من أفكار يحملها هذا الشاب اللطيف في حديثه، إلا في حال تطرق الحديث عما يحمله من أفكار متطرفة ومغالية جدا تجاه مجتمعه.
كنت أستمع إلى نقاشات مطولة بينه وبين أحد أصدقائه الذين يمكن وصفهم بـ"المعتدلين" بحكم أنه أكثر علما ويحمل شهادة علمية عليا. بعكس هذا الشاب "المتشدد" الذي لم يكمل حتى المرحلة الثانوية، مع ذلك تسمعه يردد أدلة وأحاديث وفتاوى من هنا وهناك وكأنه آلة تسجيل، وعندما يحاول أحدهم مناقشته في صحة الدليل أو الاستدلال يثور في وجه، صائحا: هل أنت أعلم من الشيخ العلامة فلان؟ وهل مستواك يؤهلك لأن تناقش فتاوى له؟
وعندما تنظر إلى هذا الشيخ المفتي الذي يدافع عنه، تجده مجهولا وحوله الكثير من علامات الاستفهام، بعد ظهوره فجأة من رحم أزمة أو حرب تدار بأيد خفية، أو من عرف بتطرفه وخروجه عن المنهج العلمي في الحوار، أومن المعروفين بمواقفهم وتقلباتهم السياسية تبعا للمصالح الشخصية.
فمشكلة هذه الفئة من الشباب أنهم يرفضون أي حوار أو تفعيل للعقل والتفكير والتحليل، بل يتحولون فجأة إلى أدوات طيعة جدا بيد كل من يتمسح بالدين.
الأخطر في فئة المتحولين فكريا بشكل سريع، أن الكثير منهم على يقين قاطع أنه يكفر عن ماضيه "المنفلت"، وقد أدخل في أذهانهم أن حياتهم السابقة كانت ضياعا كاملا، وأن المجتمع المحيط بهم مجتمع "فاسد".
ومما يسبب لهم الاضطراب الفكري، وربما رغبة الانتقام من كل شيء، أنهم قد يكتشفون أن من أدخل هذه الأفكار المتطرفة في عقولهم، يأتي في اليوم التالي ويندد بهم وبفكرهم. وهناك قصة واقعية لأحدهم ممن ذهب إلى القتال في العراق بتحريض وتشجيع من بعض من يوصفون بـ"الدعاة"، ولما عاد وجد الذين حرضوه هم أنفسهم من يقف في وجهه. فقام وفضحهم على الأشهاد. لكنه للأسف بقي على فكره الغالي المتطرف.
أجزم بأن من أهم وسائل علاج مشكلاتنا مع المتطرفين والإرهابيين هي متابعة وتثقيف هؤلاء المتحولين فجأة من "الضياع" إلى ما يسمى اجتماعيا "الالتزام"، لأنهم فئة متحمسة ومندفعة، يغلب عليهم عدم التعمق في فهم مبادئ الدين الصحيح، وأكثر ما يحتاجون هو القراءة والنقاش في جميع مناحي الفكر الإنساني.