تظهر الداعشية اليوم في عقول وفكر الكثيرين، وهؤلاء الكثيرون يفوقون تصورنا في الكم الكبير لوجودهم الفعلي بيننا، ويظهرون بصور مختلفة وتحت مسميات عديدة تصب من ذات المنبع.
نحن أمام معسكرين فكريين أحدهما يدعي الإسلام الحقيقي، ثم يقوم بقتل الآخر على أتفه الأسباب؟ ومعسكر آخر يدعي القرب من الله ويحارب داعش ظاهريا، ويتبني فكرها باطنيا، نحن في مفصل زمني حقيقي.
الفوضى والانسجام على المستوى الفردي للإنسان وعلاقته بالمجتمع ليست مجرد تعاليم وضوابط. وهذا يفسر جذور كل أزمة تواجهها الأمة بشكل ما، كما في معطيات الولاء والبراء والتكفير والتجنيد ومن ثم ظهور "الداعشية" ليس كحركة قتالية صدامية بقدر ما هي حركة فكرية. لم يعد بإمكاننا اليوم إنكار هذه الحركة كفكر قائم من حولنا.
إن ادعاء الوصاية الإلهية على الإنسان، وإلغاء حقه في الاختيار، والتكفير، أمور حاربها الأنبياء على مختلف رسالاتهم بدعوة الناس إلى إعمال العقل ونبذ سلطة الوصاية والكهنوتية، إلا أنها تظهر اليوم وبقوة!
تحيا الأوطان بشعوبها وكذلك تموت بها؟ واليوم أفرطوا في الضغط على الزناد، وأصبحنا نرى قيم الدعشنة ونسمعها مصرحة ومبطنة لكل من يخالفهم المبدأ والرأي والاتجاه؛ تاركين القضايا العظيمة التي يجب أن يكون التوجه إليها؛ لهذا فإن أخذ الأمور إلى الفرقة والانعزال وحتى القتال يعني أننا نقوم بفسح المجال لهؤلاء المتلونين بأن يخربوا ويحطموا، فالمتلونون لا يحلون مشكلة ولا ينصرون حقا.
كلنا نؤمن اليوم بأن الحل هو حل وتغيير فكري جذري لا محالة، لكن ما آلية هذا الحل وكيف يكون ومن يقوده؟ وهل يا ترى الحل يأتي عن طريق التنوير والتوعية وتثقيف المجتمع؟ أم يا ترى سنستمر في السماح للآلية ذاتها بالظهور في صور مختلفة أخرى تحت مسميات أخرى ليس أكثر.
نعم قد يحدث تغيير فعلي على مستوى الفرد في تطوير أفكاره، وزيادة وعيه وإلمامه بالحقائق لكن طالما لا نرى فيه سلوكا حقيقيا قويا للتغيير الجذري، فهو مجرد زيادة في إرباك المجتمع بالكثير من المتلونين الجدد.
هل يا ترى يأتي الحل عن طريق النشاطات والحركات المدنية والثقافية؟ نرى الكثير من هذه النمذجة في الواقع، لكن هدفها ليس تغييرا يتمتع بالنضوج السياسي أو الثقافي، ومن يراهن على التعليم والثقافة الموجهة سيخسر الرهان. إذن ما آلية التغيير الجذري الحقيقية التي تمتلك الكفاءة والنضوج والذكاء الكافي لبناء الفكر وصنع المشروع الذي يحمل على عاتقه عملية التغيير الحقيقية. السؤال سيظل مطلبا قائما.