(أبها) لا تعرف ضفائرها الغضة إلا ركضة الغيوم، وهديل الضباب، ومناديل العشق الطروب، وغناء النبع في الليالي المقمرة، لا ينبت فوق أديمها إلا شقائق النعمان وقصائد الحب في أعياد الحصاد، إنها مروحة الصيف وقميص الشتاء وزوادة الروح، بالأمس أصغيت إلى نشيج دموعها وزفرة جرحها وتنهيدة وجعها وهي تنزع من شالها الأخضر خنجر الغدر وشوكة الخيانة وسواد الحقد والعمى. يبدو أن دعاة الإثم والخيانة لا يعرفون (أبها) فهي لا تنكسر ولو سال دمها المراق، ولا تنكس أشجار العرعر هامتها مهما خاتلها الجفاف، ولا تنحني قامتها حاسرة الرأس، هي قنطرة الحياة وشرفة الوجود وخريف النار على هؤلاء القتلة، من استطعموا حنظل الكراهية واغتسلوا بوحل الخرائب والخيبة. إن هؤلاء المتناسلين كالطاعون سوف تباغتهم ريح الفجاج، وتدمر تخومهم القميئة وتسكت لغو فكرهم المطهم بالفجور وغبار الوعي الغائب. هي لحظات عابرة يستمتعون خلالها بفيض النشوة وعباءة الوهم ومعاطف السفه والخرافة وتيه الغواية وفسوق المسلك، لكن شمس البطولة والتضحية والفداء لن تمهلهم ستصب فوق رؤوسهم أبراج الجحيم ومطارق الموت، سوف يضمحلون كالعتمة تحت أهازيج المطر الصاعد من أنفاس الأمكنة المزروعة بالعشاق عشاق الأرض والكرامة، وعشاق المحراب والشهادة، الباحثين عن هالة النور وصفحات الخلود التي ستكون مأوى أرواحهم الطاهرة، المضمخة بعطر الآيات المبتلة بطهر الصلوات، أما صناع الموت والخديعة فقد بصقت في وجوههم حجارة الأرض، وعصور اللعنة وطوفان الزوال وأسمال الرماد وغلالة الحمم ولهاث الزرائب وسراديب الأقبية. يا لبؤس هذه القطعان المنفلتة فهي لم تدرك أن نسغ الشجر وأوردة الطين وأصابع النجوم، وكفوف السنابل وأطفال المدارس وأمشاط العرائس، وأقلام الكتابة وشواهد القبور وحفيف الريح وأسوار المنازل وسرادق العزاء، سوف تقاتلهم مع سيوف الوطن وصانعي المبادئ والذين يصنعون المبادئ لا يموتون. متى تدرك هذه (الطحالب) الساقطة في مجرى الارتهان والإذعان والصفقات الخاسرة وفواتير العمالة أن حصان العزة والكبرياء ستترنح أمام جموحه مخادع الخسة الأبدية ودود النفق المظلم؟ متى يدرك هؤلاء القتلة أن الأفئدة والعظام المطمورة في الأرض المظفرة سوف تنبت سيوفا ورماحا وسياجا وجباها لا تنحني إلا لخالقها؛ لتكسو البقاع المطمئنة بالمجد والزهو وعناقيد الصباح؟ إننا وطن أيها الطغاة يصعد كأعمدة النور وينتفض كيقظة الروح، إنه البلسم والعلقم، وسلطان الأفلاك. إنه الهول الشاسع والمعادلة الصعبة، ولن تسقط راية الحق والعدالة، فهل تدركون ذلك؟.