التفجير الإرهابي الآثم الذي وقع في مسجد قوة الطوارئ بعسير أوضح أمورا عدة، منها أن يوم الجمعة لم يعد اليوم المحدد من قبل التنظيم الإرهابي لتنفيذ عملياته الإجرامية؛ فخططه مرنة والبدائل التي تحقق نفس الأهداف موجودة، لذلك اُستبدل الخميس بالجمعة، ويمكن أن تشمل جميع الأيام ومختلف أوقات الفروض مستقبلاً، كذلك التركيز على إسقاط أكبر عدد من الضحايا خلال تنفيذ التفجيرات، وهنا قد يتعدى الأمر إلى الأماكن الأكثر ازدحاماً فلا نستبعد الأسواق والجامعات وحتى المدارس، فالتنظيم دموي إجرامي سياسته مبنية على الموت بمختلف الطرق ولأكبر عدد من البشر.

وما يعتبر أكثر ألماً وصدمة لنا، هو اكتشاف مدى رحابة واتسّاع المناطق التي يتحرك فيها الدواعش، فالأجهزة الأمنية هي الأماكن التي نعدها خطّا أحمر ونعتقد أن اختراقها صعب جدا، لكن الحادثة أثبتت أن أفراد التنظيم استطاعوا اختراقها ليس لتنفيذ عملياتهم الإرهابية فحسب، وإنما في زرع فكرهم البغيض أيضاً بين كثير من عناصره؛ لذلك فالمجرم الذي فجّر نفسه وسط ذلكم العدد الكبير من رجال الأمن لم يتحرّك عشوائياً، بل لا بد من وجود معلومات وأشخاص سهّلوا له الأمر.

قد يعتبر البعض هذا القول تجنيا، ولكنها مجرد تكهنات تؤكد أن داعش متغلغل في كل مكان وأن تأثيره قوي جدا، ومن أنكره فهو لا يعيش الواقع ويعتمد على التنظير البعيد عن قراءة الواقع بشكل صحيح، أو في نفسه ميل كما هو حال بعض شيوخ "تويتر" الذين يغضون الطرف عن كل جرائم داعش إلا من تغريدات هامشية تعقب العمليات الإرهابية؛ ليعودوا مصفقين -عن بعد- لكل ما يقومون به.

لا شك أن داعش مصيبة كبيرة وخطر عظيم، لكن مع الأسف لا نريد الاعتراف بذلك، وهذا يضعف كل محاولاتنا لمحاربته؛ لأن الأمور قد كشف ما نخشاه، لذلك يستمر التقليل من خطرهم وتأجيل اتخاذ خطوات جادة لسد المنافذ التي يلجون منها في بث نهجهم بين أفراد المجتمع وخاصة الشباب، وما يثبت أنهم خطر كبير، وأن أطماعهم أيضاً كبيرة استغلالهم للأحداث الراهنة لتحقيق مزيد من الانتصارات وزعزعة ثقة المواطن في الأجهزة الأمنية.

وهذه هي الرسالة التي يريد داعش إيصالها، وقد اختار من يوصلها بعناية عبر ضعف بعض أبناء الوطن العاقين الذين سلمّوا عقولهم للشيطان ليقتلوا الأب والأخ والخال وليضربوا الوطن في العمق، وإن كنا -اليوم- محزونين إلا أن الأمر يتطلب أكثر من ذلك. الصدق مع أنفسنا وضرب التطرف والمتطرفين بحزم.