رغم مرور سنوات طويلة على وفاة الفنان العظيم طلال مداح، على مسرح المفتاحة بأبها، محققاً أول سقوط للأعلى، وكما قلت في مقال سابق: عندما سقط طلال مداح ارتطم بالسقف.
أقول: على الرغم من مرور زمن طويل على تربة موته، إلا أنه ما يزال حاضرا على ألسنة المتناقشين في الفن، وفي آذان المتسوسنين بالفن، وفي ذاكرة كبار وشباب، سمعوا بسيرته وببساطته وبإنسانيته، وصغار أصابهم قبس من ضوئه، وجمره، وناره الباردة، السلاما.
حضرت أمسية للشاعر الذي أعطى تفويضه الوحيد والواحد لطلال فقط؛ لكي يغني ما يشاء من قصائده دون الحاجة إلى توقيع أو تنازل منه، أقصد بدر بن عبدالمحسن، وتحدث ليلتها بحميمية وحنين ومحبة عارمة، عن طلال الإنسان، عندما جاءه محتاج إلى منزله، ولم يكن لدى طلال نقود، فما كان منه إلا أن أعطى ذاك المحتاج مجوهرات زوجته.
هذا ما حضرته وسمعته بأذني، وأما ما خطته أيادي المؤرخين الفنيين عن إنسانية طلال، فحدّث ولا حرج، وحدّث ولا درَج، لأن الحديث عن طلال: صعود بلا درَج ولا مصعد.
الشاب اليتيم الفقير الذي دعا "طلال" لحضور حفل زفافه في سوق الصواريخ بجدة، كان يرى حضوره حلما، مثل نجم بعيد في سماء المستحيلات، غير أن طلال حضر حاملاً عوده الخشبي، وبخوره؛ ليحيي حفله بالمجان، وقد كان اسم طلال حينها يهزّ الدنيا هزّا، ويتقاضى مبالغ عالية للحفلات، ولكنه التواضع، والفنان الذي لا ينفصل عن دمه، وأخلاقه، وموسيقى إنسانيته.
عن طلال مداح، حدِّث ولا درَج.