البعض يفضل إثارة السخرية مع أكثر المواقف التي يشهدها المجتمع، لأن هناك مبادئ يتعارف عليها الناس وإذا ما تم اختراقها فإن الأمر يصبح مثارا للنقد والتندر، فيما يقف اتجاه آخر متصلب ومتحفظ تجاه النظام الاجتماعي؛ ضد تنامي هذه الظاهرة، يفضّل الاحتفاظ بمسافة يتوهمها كسياج نفسي آمن في الشؤون التي يتصالح بها مع نفسه إزاء كل فكرة ساخرة، وهي الحرب النفسية المعلنة التي تعد شكلا من أشكال الصراع ضد النقد الذي يمس مسلماته وقيمه من باب أولى، هذه المسافة تفرض على البعض الرفض لأسلوب السخرية حتى وإن رأوها في قرارة أنفسهم على حق، لكنها في نهاية المطاف تضع المسلّمات في محل الشك والمساءلة ومحاكمة السائد.
كثيرا ما نلاحظ أن بعض المؤثرين في تكريس الفكر السائد أخذ في استخدام السخرية وأصبحت سمة في سلوكه، فهو يلجأ إليها خوفا من الوقوع ضحية للتهكم، وتوقعنا نتيجة ذلك أن تحل الفكاهة يوما ما مكان البحث عن المعرفة وتتقدم عليها في أولويات الفكر الاجتماعي مع ازدياد الوضع سوءا، وذلك ضمن المحاولات اليائسة للتحرر من الجدية وبطء مفعولها، فالبعض يرى أن السخرية لا تصدر إلا من الفارغين، لكنها على جانب هذا الحديث بلغت حدا ينطلق من المعرفة ذاتها، وأصبحت تتوجه لنقد الأيديولوجيا، فظهرت النكتة في مجالات عديدة كوجهة نظر متفوقة على الواقع كونها ناتجة عن الوعي.
إن تفشي ظاهرة "النكتة" يفسر وجود لغة مازحة غير مسؤولة ذات ملاءمة نفسية لدى الأفراد في تقبل الأمور مهما بلغت درجة رفضها، وهو العبث الناتج عن العجز في استجابة الواقع للنقد أو التصحيح الذي يتطلعون إليه، وكلما ازدادت هذه المسافة تلاشت الجدية بالتالي، وأصبح الواقع مجالا أوسع لدائرة التسخيف، فالسخرية تفرض نفسها في واقعنا المليء بالمسلمات والآراء القطعية التي لا تحتمل الشك، ويمكن اعتبارها في المحصلة مؤشرا اجتماعيا على عدم الرضا عن المخرجات في الحياة الواقعية.
يبرر رفض هؤلاء للسخرية لأنها تمثل في نظرهم سلوكا يحتقر القيم والموضوعية، رغم أنه لو اتسع الإدراك قليلا فلن نجد في السخرية أكثر من رسالة نقاء مقاومة للفساد واللاواقعية، ويمكننا مع الوقت القياس على تطوراتها لإيجاد معنى حقيقي في كيفية محاكمة المجتمع لنفسه ومعتقداته السائدة.