أي نتاج يبقى حبيس الأدراج يصبح بلا قيمة، لأنه يبقى حكراً على منتجه، ولا يتم تعميمه على الآخرين.
وقيمة النتاج الأدبي خصوصاً تنبع ليس فقط من تفرده كإبداع، وإنما أيضاً من تناقل الناس له، وتداوله، والنقاش حوله، ما يمنحه الأثر الذي يبقى، والتأثير الذي يكشف جوهره وحقيقته.
من هنا فإن الترويج للمنتج يكتسي أهمية موازية ـ وإن كانت بدرجة أقل بكثير ـ للمنتج نفسه، وهذا ما يتحمل مسؤوليته المبدع نفسه، إضافة إلى الجهات المعنية الأخرى مثل دور النشر بالنسبة للمطبوعات تحديداً، ووسائل الإعلام المعنية بالكشف عن الجيد، ودفعه إلى الواجهة.
وفي وقت كانت الجهات الدعائية والإعلانية هي المعنية بالدرجة الأولى عن الترويج للمنتج الإبداعي الجيد، فإن وسائل أخرى موازية امتطت صهوات التقنية الحديثة باتت تنافس بقوة، وتختصر الزمن في إيصال المنتج الإبداعي للمستهدفين به، حتى إن واحداً من أكثر الكتب مبيعاً في معرض الرياض الدولي للكتاب في نسخته الأخيرة تم الترويج له من خلال مؤلفه فقط، وعبر حسابه على صفحة موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" وبطرق فيها بعض الابتكار والذكاء، ما جعل الإقبال عليه غير متوقع، حتى لكأنما مسيرة جماعية تقام أمام منصة توقيعه حينما حان موعد ساعة التوقيع المعلن عنها للكتاب.
في المقابل، فإن دور النشر التي يفترض أن تلاحق المعارض لتعرض بضاعتها ونتاجها، لا تبدو دوماً جادة في فهم هذا الدور، فتتحول إلى مجرد "دكان" بيع منتظرة مرور الراغبين لينقطوها بضع درهيمات ويحملوا نسخهم ويمضون في سبيلهم، دون أن تقوم بما هو أكثر للترويج لبضاعتها وزيادة إقبال عليها ولو بدافع الفضول في المرحلة الأولى.
تعمل بعض دور النشر على تنظيم حفلات لتوقيع إصداراتها، وتتواصل مع كثير من المؤسسات الإعلامية للترويج والحديث عن هذه الإصدارات، ولذا فإنها تتحول عجلة رافعة للمنتج، دون الوقوف مكتوفة اليد، مكتفية بدفع هذا المنتج للمطبعة، وتقاضي نصيبها من كلفته، وكأنها مجرد تاجر يبيع سلعة مستهلكة تنتهي صلاحيتها وعلاقتها به بمجرد خروجه من مطابعها.
وطالما أننا ما زلنا نتجاهل أهمية الترويج، ولا نوليه العناية التي يستحق، فعلينا أن نتوقع أن منتجنا لن يصل إلى حيث نتمنى، وليس حيث نريد لأن الإرادة لا بد أن تتواكب مع العمل.