من أكثر ما يتردد الآن بين المثقفين والسياسيين وتبعهم الكتاب، ومن ثم بعض العامة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ما يذهب إلى الدعوة للمصالحة مع إيران، وكأن الأمر منوط بإشكالية بسيطة يسهل حلها ومن ثم تمتد الأيادي لتتصافح ثم تنسى!
المسألة مع إيران ليست مرتبطة باختلاف وجهات نظر، أو اقتسام بئر بترول، أو اختلاف طائفي لم يتعدّ حدود البلدين، الأمر أكبر من ذلك بكثير، بل إنه خلاف يصل إلى مرحلة اللاعودة في ظل أسبابه القائمة؛ فمن ينشر الفوضى في اليمن لا يستحق المصالحة، ومن جعل من لبنان ميليشيات متحاربة ومهددة بالانفجار وبلا رئيس لا يستحق المصالحة، ومن عزز بجيوشه وأسلحته نظام الطاغية بشار لأجل قتل شعبه لا يستحق المصالحة، والأهم من ذلك وهو ما يمسنا عن قرب، من يغذي الطائفية والانفلات في البحرين والقطيف جدير بألا نصالحه.
ما الفائدة من التصالح مع إيران وهي قائمة على أجندتها العدائية ودون تغيير حتى وإن أبرمت اتفاقها النووي مع الغرب؟ وهل بمقدورها أن تتخلى عن خططها التوسعية وتهديد الجيران وبث الفرقة والدعوة إلى الطائفية في خطبها؟ على الأقل لو فعلت ذلك ونادت به على لسان ملاليها وقائدها الأعلى لكان هناك إجازة لمفردة مصالحة، لكنها تريد أن تكون حاضرة في المحفل وهي من ينخر في أساسه.
نقول "لا تصالح" لكل من تعنيه دول مجلس التعاون؛ ففي الصلح مع المعتدي ضعف، ولا تصالح حتى "لو منحوك الذهب" على رأي المرحوم (أمل دنقل) ومنحوك التطمينات، فهم لن يهنأوا حتى يفسدوا البحرين ويثيروا المغرر بهم في اليمن.
لا تصالح.. فمصطلح الصلح والتصالح لا بد أن يقف على أسس التوافق على كل شيء، منع العدوان، سحب الميليشيات، وقف الدعم عن الحكومات المتجبرة على شعوبها، ثم يأتي التصالح، أما أن يكون في خضم اتفاقية أميركية تفعلها لمصالحها، فهنا قولان لا قول واحد، فمصالحها غير مصالحنا، والقتلى في البحرين والتحركات المريبة في القطيف تحتاج إلى توقف تام، وتصدير الثورة إلى البلدان العربية مسألة فيها نظر وقبله احتجاج ورفض.
من الخير عدم التصالح إلا مع إيران جديدة بسلوك جديد، واقعا لا كلاما، ونحن نثق أنه لن يتهيأ في ظل الخطاب الديني الطائفي القائم، فمن استمع إلى خطاب المرشد الأعلى يدرك حجم البؤس الذي تعيشه بلاده ومقدار الضغينة التي تختزنها، ومن قرأ رسالة وزير خارجيتها ظريف فلا بد أن يشمئز من "الأنا" العالية وحجم الغرور الفارغ الذي يصدر من سياسته، خاصة في هذا الوقت الذي يعتقدون فيه أنهم دسوا أنف الشيطان الأكبر في التراب! لم يتوقف التحريض، فكيف نصالح وطهران مستمرة بدعواتها العدوانية ورسائلها الطائفية، حتى أصبحنا ننظر إلى التوافق معها كما هي المستحيلات من العنقاء والغول؟
لسنا ملائكة.. ونعلم أن الجميع، دولا وأفرادا يرتكبون الأخطاء، لكن ما ندركه أكثر أنه ليس بإمكان الكل أن يغفر ويتسامح ويتنازل، بإمكاننا أن ننسى، ولنقل نتناسى حينما تعود إيران إلى رشدها وتتخلى عن دورها في جعل منطقتنا ميدانا للحروب والطائفية، عليها أن تبرهن ذلك جليا وأمام العالم، أما غير ذلك، فلا تصالح.