رغم أن أعمارهم لم تتجاوز الـ15 عاما، إلا أنهم أجبروا على الدخول في معترك الحياة مبكرا، وخوض مجال العمل لتوفير احتياجات أسرهم الأساسية، ما دفع جمعية حقوق الإنسان إلى أن تصف من يقوم بتشغيلهم بالمجرم، وتدعو إلى معاقبته.

عمل شاق

وبعد عدة محاولات من "الوطن" لإقناع بعض الأطفال العاملين بسوق الخضار في العاصمة، قالوا: الحاجة دفعتنا إلى العمل في تحميل وتنزيل البضائع ودفع عربات البضائع تحت أشعة الشمس الحارقة والتي تلامس درجة حرارتها 50 درجة مئوية، والتوجه إلى العمل من الصباح الباكر حتى وقت متأخر من الليل محرومين من الراحة.

يقول الطفل "رضوان" - من جنسية عربية لم يتجاوز عمره الـ13 عاما- أعمل في اليوم 16 ساعة من السادسة صباحاً حتى العاشرة مساء، ويضيف: الحياة صعبة في بلدنا وهربنا، وأتينا إلى المملكة منذ أكثر من عام، وها نحن نعمل لتغطية احتياجات أسرنا، أما ابن جلدته المكنى في سوق الخضار بـ"الشيخ" والبالغ من العمر 7 أعوام فيتفق مع "رضوان" فيما قال، ويضيف: حرمت من التعليم، وجئت إلى السوق منذ 5 أشهر، برفقة عدد من الأصدقاء بطلب من ذوينا لحاجتهم إلى المال لتوفير احتياجاتهم الأساسية.

ويشرح "الشيخ" عمله بأنه يتمثل في نقل الخضار من البائع إلى سيارة المشتري، مؤكدا أن عمله شاق عليه لصغر سنه، إضافة إلى تعرضه لسوء معاملة وتجاوز أخلاقي من العمالة في السوق، وبعض أصحاب البسطات، ولا يجد من يدافع عنه.

وعند سؤاله عن أبيه، قال إنه يعمل سائقا مع أحد المقاولين.


آباء لا يتدخلون لحماية أبنائهم


التقت "الوطن" أحد أصحاب بسطات الخضار، ويدعى أبوناصر سعودي، الذي أشار إلى تعرض الأطفال للعديد من المشكلات في عملهم، ونادراً ما يتدخل آباؤهم لحمايتهم.

وبالعودة إلى الأطفال العاملين في السوق، يبين "محمد"، وهو أحد الأطفال السعوديين، أنه يعمل في السوق منذ 5 سنوات عندما كان يبلغ من العمر 9 سنوات، قائلاً "إن والدي متوفى ولا يوجد من يصرف على أسرتي، لذا قررت العمل في السوق لكسب الرزق الحلال وتوفير احتياجات أسرتي"، ويضيف "إن العاملين في السوق لا يعودون إلى منازلهم إلا ليلاً، حيث يبدأ العمل في الصباح الباكر والعودة بعد العاشرة مساءً، ومعظم الأطفال يتعرضون لمضايقات وتجاوزات، فضلا عن وقوع بعضهم في براثن التدخين".

 





المعتقدات الخاطئة وراء إهمال التعليم

اعتبرت الأكاديمية والمستشارة الأسرية في مدينة الملك عبدالله للطالبات بجامعة الإمام محمد بن سعود الدكتورة وفاء العجمي، أن سيطرة المعتقدات الاجتماعية الخاطئة بعدم جدوى الاستثمار في التعليم، تدفع بعض الأسر إلى عدم متابعة الأطفال لدراستهم بسبب الرغبة في تعليمهم مهنة تؤمن مستقبلا آمنا، فلا تزال تسود بعض المجتمعات التقليدية خاصة الزراعية معتقدات خاطئة تبيح تشغيل الأطفال لأن في ذلك مصلحة لهم.

وأضافت العجمي، أن عمل الأطفال في سنّ مبكّرة يؤثّر سلباً على النواحي النفسيّة للطّفل، ما قد يضعف ذكاءه، ويجعله غير قادر على التّوافق الشّخصيّ والاجتماعيّ.

وأشارت إلى تعرّض الأطفال عند تواجدهم في العمل إلى مخاطر قد تعيق نموّهم، قائلة "الأطفال في طور النّموّ أقلّ تحمّلا لمصاعب العمل، والضغوط النفسيّة التي تصاحبه، مع عدم تقديم رعاية صحّيّة لهم، مضيفة أنّ الأطفال العاملين يتعرّضون لسوء التغذية والأمراض المتوطّنة ما يؤدّي إلى ضعف مقاومة الجسم للأمراض المختلفة، ويتعرّض الأطفال العاملون إلى كثير من المخاطر الصّحّيّة وأمراض المهنة وحوادث العمل.

وأكدت العجمي أن ظاهرة عمالة الأطفال تعتبر من أخطر الظّواهر الاجتماعيّة بسبب الكمّ الهائل من الانتهاكات التي يتعرض لها الطفل العامل على كافة المستويات: بدنيّا، ونفسيّا، وجنسيّا.


 جريمة يعاقب عليها القانون

أكد الأمين العام لجمعية حقوق الإنسان خالد الفاخري، أن من يقوم بتشغيل الأطفال يعتدي على حقوقهم طبقا للاتفاقيات الدولية، وحقوق الطفل في المملكة الذي صدر عام 1436، ونصت اللائحة التنفيذية على أن من السلوكيات التي تعتبر جريمة بحق الطفل ويعاقب فاعلها هي تشغيل الأطفال دون السن النظامي، ويعرض للعقوبات والمساءلة القانونية، ويجب أن يعامل الطفل في المراحل الأولى لتنشئته وتعليمه وتأهيله بما يتوافق مع مرحلته العمرية.

وبعيداً عن الأنظمة والقوانين قال الفاخري: إن عمل الطفل قد ينعكس عليه مستقبلاً في تكوين شخصيته، وقد يتضرر المجتمع الذي يعيش فيه، وحرص المشرع على ضمان حقوق الأطفال بعدم استغلالهم من قبل ولي أمرهم، أو من يعيلهم ويقوم بتشغيلهم والاستفادة منهم دون مراعاة للتربية والتنشئة.

وأضاف: إن تشغيل الطفل وتدريبه ليتحمل المسؤولية ويتعلم صنعة قد تنفعه في المستقبل، لهما أثر سلبي عليه، بقيامه بتصرفات لا تتناسب مع مرحلته العمرية، مؤكداً في الوقت نفسه أن تشغيله يعد جريمة يعاقب عليها القانون.

وأشار إلى أن هناك تعاونا بين وزارة الشؤون الاجتماعية وحقوق الإنسان لحماية الطفل، إضافة إلى تفاعل الهيئة مع البلاغات التي تردها عن تشغيل الأطفال.