لم تكن الأمسية القصصية الثالثة التي نظمها رواق السرد بنادي جدة الأدبي أول من أمس إلا نافذة لاستعراض تجارب جيل جديد من القاصين الذين كشفوا عن عقبات تواجههم، على نحو ما ذكر سيف المرواني لـ"الوطن" قائلا: الصعوبات التي يواجهها القاصون الشباب اليوم تتمحور حول ثلاث ركائز أساسية هي: "إغفال دور النشر لواجبها في تبنيهم، وعدم إعطائهم فرصة النضوج القصصي المرتبط بعالم الأمسيات والملتقيات المهمة، بخلاف ما يحصل في مصر مثلا، حيث تعطى أولوية الدعم للشباب لخلق جيل جديد من القاصين".
المرواني لم يكتف بذلك، بل ذهب إلى أن الملتقيات القصصية المحلية لا تمنح فرصة لإظهار جيل جديد من القاصين، بل يظل الاهتمام والاستهلاك لجيل النخبة القصصي، كما أن الإعلام له نصيب من النقد بعدم تبنيه لهم وتغطية أمسياتهم.
ورغم حداثة رواق السرد، فإن القائمين عليه يؤكدون تبنيهم استراتيجية جديدة في إبراز أسماء تظهر للمرة الأولى في المشهد القصصي، والذين قدمتهم الأمسية القصصية الثالثة التي استعرضت نصوص خالد العصيمي "الطريق"، وعائشة كرمان عبر نصها "فتنة الحفل"، ونص "قشور" لسلطان العيسى، و"تذكرة سفر" لرفيدة الفنتي.
حالة نقاش
الأمسية خلقت حالة من النقاش العميق حول النصوص كان قاسمها المشترك الضعف الفني في البناء القصصي، والارتباك اللغوي في بعض النصوص، فقصة "الطريق" لخالد زويد، حملت دلالة إيحائية للعنوان ترمز إلى الانعتاق والنجاة، إذ يسعى الكاتب إلى تبليغ وإيصال فكرته، وهي أن الإنسان أحد عناصر الطبيعة التي يتواءم معها تارة، ويتمرد عليها تارة أخرى ليكتشف خباياها ويفك أسرارها متجاوزا عتبة الماوراء، متكئا على لغة "كافكاوية" رمزية، اتضحت في تركيباته اللغوية التي تكتنز الغموض والفضاء الضبابي، وأشاروا إلى أن الكاتب استطاع توظيف خاصية الحوار لعرض الحدث والعقدة والحل.
تكثيف لغوي
وأما نص رفيدة الفتني فكان يرتكز على التكثيف اللغوي الذي يفتح أفق التأويل، واتسم نصها بالذاتية التي نحت ببعضها منحى الخاطرة الوجدانية، وذهب نقاش الحضور في الإطار النقدي التحليلي، إلى أن لديها قدرة على رسم عوالم قصصية من خلال ما تمتلك من مقومات اللغة، وفحوى البواعث المحرضة على الكتابة، مستندة إلى الموهبة التي مكنتها من ارتياد النص، وبث فيض من المشاعر الدافئة.
قضايا وهموم
تأثرت نصوص كرمان بخلفيتها العلمية والمهنية، وترتكز قصصها على إشكالات الأنثى في المجتمع وقضايا المرأة، واستطاعت توظيف الرجل كعنصر مقاوم يحمل على عاتقه قمع تلك الأحلام. فيما ارتكزت نصوص سلطان العيسى على الهم الإنساني، ومحاولة التوغل في خبايا المجتمع لاستخراج قضاياه المؤلمة التي غطتها القشور. وبعيدا عن منطق الأفضلية القصصية، فإن أهم ما عبر عنه رواق السرد يكمن في دعم الأقلام الواعدة، ومنحها الضوء والتشجيع للنهوض بمواهبهم، ووضع أيديهم على مكامن السلب والإيجاب للارتقاء بأدواتهم الكتابية، بحسب مسؤولي الرواق.