الرائج أن التعاون الذي تفرضه الظروف والمكان والهموم الواحدة عادة ما يكون صلبا عصيا على التراجع، والأكيد أن ما بين دول مجلس التعاون الخليجي في الإطار نفسه، بل إنها زادت عن التعاون بالتحالف الأكبر، لذا كان إنقاذ اليمن يعتمد عليها أكثر، ناهيك عن الدور الكبير الذي اتفق عليه بعضها ونجح فيه لأجل إنقاذ مصر ومساعدتها لتجاوز محنتها.
هنا لا نشك أبدا أن المصلحة العامة للدولة هي من يحدد التحالف والاتفاق أو ما يصل الاندماج، ومع ذلك ما زلنا في حيرة من أمرنا تجاه قضايا معينة تجد أنها تعبر عن تباين كبير حد الاختلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي، وكأن ميثاقها الأساسي مرن أو ضعيف إلى درجة أن بإمكان أي دولة فيه أن ترفض الأخرى أو حتى تقطع كل أوجه التعاون معها.
لن نبحث في شؤون اختلافية لأنها كثيرة ومما تعجز هذه المقالة القصيرة عن حصره، ولن نشير إلى ما تقوم به عُمان من علاقات منفردة مع من يراهم الخليجيون أعداء كإيران، وحيادية مسقط مع أطراف النزاع في اليمن، والأكيد أن الخليجيين مدركون لماهية السياسة الخارجية العُمانية، ولذا رضوا بها وظلوا أكثر هدوءا في التعامل معها.
لكن ما يثير الاستغراب أن التقلبات الخليجية والقرارات المنفردة ما زالت مستمرة حتى إنك تعتقد أحيانا أن دور المجلس لا يتقاطع مع بعض وجهات نظر دوله، فجميعنا يعلم موقف المجلس من السلاح النووي الإيراني، ووفق مواقف مختلفة أكدت لنا أن المجلس بدون سياسة خارجية مشتركة يعبر عنها موقف دوله بين التي رفضت وتلك التي باركت، وهو ما يثير كثيرا من الحيرة عن دور الأمانة العامة لأجل الخروج بصيغة مشتركة.
مثل هذا يقودنا إلى تساؤل مهم هل دول المجلس اتفقت على مصالح مشتركة خاصة جدا وتركت العامة، كل يقرر فيها، وهل مثل السلاح النووي الإيراني ما يتم التباين فيه، ناهيك عن أن الخليجيين وعبر اجتماعات لقادتهم أكدوا مرارا وتكرارا رفضهم للمشروع الإيراني، والأهم من ذلك أن الخطاب الإيراني مازال ضد معظم دول المجلس، فالتهديد للبحرين استمر ومن أعلى سلطة إيرانية، ناهيك عن أن الجزر الإماراتية الثلاث ما زالت تحت الاحتلال.
لنعترف أن مجلس التعاون الخليجي يعاني من التباين فيما يخص سياسته الخارجية، وسط تناقضات تظهر على الساحة باستمرار ووسط سكوت ووجوم حتى من قبل الأمانة العامة للمجلس التي يبدو أنها لم تستطع أن تفرض توجهها وتأثيرها على الخطاب المنطلق من أعضائها، كل يدلي بقراره وتوجهه دون أن يأبه بالمجلس واتفاقاته، ولذلك نخشى أن يتبعثر القرار الخليجي وسط العواصف التي تمر بها المنطقة والمتغيرات السياسية والفكرية التي تجتاحها.
السؤال الأخير: هل يحتاج مجلس التعاون إلى إعادة صياغة ملزمة لتوجهات دوله السياسية الخارجية.. على أقله ألا تكون هناك ردة فعل تجاه أي متغير مؤثر في المنطقة دون الرجوع إلى المجلس والاتفاق على صيغة معينة؟!