"زمن المبادئ مضى، وهذا زمن الهجرة" هكذا قالها نجيب محفوظ -رحمه الله- في كتابه -الفجر الكاذب- قبل أن تعلن وكالة ناسا عن اكتشافها كوكبا شبيها بالأرض خارج المجموعة الشمسية في كوكبة الدجاجة. والكوكب يتمتع بمقومات الحياة البشرية لقربه من نجم شبيه بالشمس بمسافة مناسبة ويستغرق دورانه حول نجمه 385 يوما. الهجرة داخل كوكب الأرض لم تعد مجدية، الهجرة إلى حرية السويد المزعومة لم تعد مجدية لشاب عراقي فقد وطنه وبيته، ولن ترقص فتاة أفريقية على قرع الطبول العالية في كندا وهي ترى وطنها يطعنه المرض ويقتله الجوع، لن يمارس الأميركي هواية الجري بأمان في دولة يرى شعبها أنه كافر يجب قتله، الهجرة إلى سويسرا لن تعيد لأم فلسطينية شجرة الزيتون التي اقتلعتها جرافات اليهود وزرعت مكانها الغرقد، الهجرة داخل نطاق الأرض ولى زمنها، هذه الأرض تعلن السلام كل يوم ولكننا لم نره حتى الآن، ونحن نتسابق في صناعة السلاح، فالأقوى هو من يستطع أن يمتلك سلاحا يقتل الجميع، قسمنا الأرض إلى نصفين، نصف يموت والنصف الآخر يقتل، أصبح القتل في المعابد.. في مدرجات الفرح، وعلى موائد الفقراء. أصبحنا على هذه الكرة الأرضية لا نتعجب أن يقتل شاب أباه باسم الدين، وأن يغتصب أب طفلته ومن ثم يكتفى بسجنه 13 سنة.. لم نعد ننعى موتى الجوع في الدول الفقيرة، لم يعد يلفت انتباهنا نبأ مقتل 24 إنسانا في عملية تفجير إرهابية.
أصبحت الحاجة ملحة للهجرة إلى كوكب جديد لنصنع حياة تكفل كرامة الإنسان، كوكب لا توجد فيه أحزاب سياسية يغتال بعضها البعض، لا توجد فيه طائرات حربية، كوكب لا توجد فيه أسلحة روسية وصواريخ كورية، كوكب لا توجد فيه انتخابات رئاسية، لا توجد فيه حدود، والسجون فيه معدومة.
يستغرق الوصول إلى الكوكب الشبيه بالأرض 1400 سنة ضوئية أي 25 مليون سنة أرضية، إذاً في ظل ما توصل له العلم حتى الآن يعد هذا الأمر مستحيلا، ولكن لنفترض أننا نجحنا في الهجرة إلى الكوكب الشبيه بكوكبنا.. هل سننجح في صناعة البيئة التي نحلم بها؟ هل سنتوقف عن قتل بعضنا، هل سنشاهد نشرات أخبار تخلو من إحصاءات القتلى اليومية؟ هل سنقرأ صحفا لا تحمل صفحاتها أخبار الخلافات السياسية؟ هل سننجح في وقاية الإنسان من خطر الفقر والجهل والخوف؟.. ليس المهم أن ننجح في صناعة وسيلة تنقلنا إلى هذا الكوكب، لا يهم إذا ما كسرنا قاعدة استحالة تجاوز السرعة الضوئية دون أن نتلاشى ونتحول إلى مجرد طاقة، لا يهم السباق في هذا المضمار؛ المهم هل نضمن انتقال البشر إلى الكوكب الجديد متجردين من العنصرية والكراهية والمذهبية والطائفية والطبقية؟ هل سنضمن أن ننتقل دون الفكر الذي جعلنا نرى الأرض بالصورة التي هي عليها الآن؟ أم أننا سننتقل إلى كوكب شبيه بالأرض ومن ثم نعمره بنفس الأفكار الرأسمالية الجشعة، وبعقليات رؤساء الدول المستبدة نفسها، التي تعلن الحرية وتنتهك عرضها؟ هل سننجح في الهجرة لنعيش بسلام، إذا ضمنا النجاح في ذلك فلم تعد هنا حاجة للهجرة.. لنطبق هذه الضمانات على كوكبنا هذا، نريد أن نتخلى عن حلم الهجرة، كلنا مهاجرون، الفرق بيننا هو أنه هناك من هاجر بجسده، وهناك من يريد الهجرة ولكنه لم يتمكن فنحسبه مهاجرا بروحه وعقله، حتى من نهاجر إليهم يحلمون بالهجرة ولكن إلى أين؟ إنهم في أفضل موقع ممكن على هذا الأرض، موقع غير مكتمل يحمل كل السلبيات التي جعلت الناس تهاجر إليه ولكنه بصورة أقل وطأة.
اكتشاف "ناسا" للكوكب الشبيه بكوكبنا الذي وصفوه بأنه ابن العم الأكبر لأرضنا اكتشاف غير مهم ولا يستحق كل هذه الجلبة ولا ميزانيات البحوث المرصودة من أجله التي لو صرفت على برامج معالجة الفقر وبرامج مكافحة أمراضنا النفسية التي خلفها هذا العالم البشع لكانت أجدى من اكتشاف كوكب يشبه كوكبنا، لو كان يجدي لكان أفادنا كولومبوس باكتشافه العالم الجديد (أميركا)، هذه القارة التي هاجر إليها الناس منذ العام 1492 وكل ما فعله المهاجرون إليها هو صناعة أقوى جيش في العالم، يفتخر بأنه أول من استخدم السلاح النووي لقتل المدنيين في اليابان، ولذلك لسنا بحاجة إلى مزيد من الكواكب، لسنا بحاجة للهجرة، بل بحاجة لتنظيف كوكبنا من كل هذه الفوضى والدماء.