يحدث في كثير من الأعمال الفنية المرئية أن يفوز "المكان" بالبطولة على الرغم من الجهود المبذولة في عناصر العمل الأخرى والتي قد تكون في أغلبها رئيسة ومهمة وذات أثر سلبي فيما لو لم توجد، وفي الأعمال المسرحية على وجه الخصوص قد يتفوق النص بصفته وبنيانه ومفاصل معماره على المكونات البشرية الأدائية أو الثيمات التقنية المتنوعة والداعمة للمشهدية، وتفوق النص يدل على أنه كتب وفق منهجية وعلى أسس فنية، وبتحضير عالي المستوى مشتمل على القراءات الثرية والمقاربات الصادقة لما يكتنف القضية -مجال الطرح- من رؤى وحمولات.

ما يحدث في العمل المسرحي أو الفني بعامة مقارب وشبيه لما يحدث على صعيد الفعل السياحي في عروس المدائن (أبها) من حيث قوة النص التحضيري مقارنة بضعف الأداء، والنص مهما بدا قويا ومتماسكا فإنه لن يمثل واقعا نافذا ما لم يحقن في جسم الأداء المحترف اللافت. أزعم أن الإعداد لمهرجان أبها كان صادقا "على الأقل على صعيد النوايا" وأن اجتماعات عدة قد عقدت لاستشراف الشكل والموضوع اللذين سيقدمان فعلنا السياحي وثقافتنا العريقة في المنطقة بما نمتلكه من مقدرات وإمكانات مادية وبشرية، كل ذلك كان جميلا وصادقا على الورق، أما على الميدان وفي وسط المعترك فلا أجد -من وجهة نظر خاصة- ذاك الوهج المتوقع على كل الأصعدة، ناهيك عن عدم وجود جدول للفعاليات بين أيدي الناس كما هو معتاد كل عام، سوى ما ينشر بين وقت وآخر عن فعالية هنا أو تدشين هناك. السياحة صناعة محترفة له أسسها ومنطلقاتها، ولها كذلك إجراءاتها، وليس الأمر جديدا علينا هنا، إذ تمثل أبها قبلة المصطافين ومناط الباحثين عن الراحة والمتعة، فما بالك إذ هي عاصمة للسياحة العربية بعد عامين من الآن؟!

نحن في حاجة إلى استقراء آراء المشتغلين بالسياحة والمتخصصين في علومها وفنونها عبر ورش عمل إجرائية، وألا نهمل رؤية وحاجات المجتمع القريب، وذاك القادم إلينا؛ موظفين استطلاعات الرأي وأدوات قياس الأثر بصدق وحماسة في تقبل النقد برحابة صدر، ومن ثَمّ دراسته والإفادة منه، فليس من المنطق أن يعلن عن أنشطة في مواعيد محددة ولم تقم لها قائمة حتى تاريخ نشر هذا المقال، وليس من الجاذب اقتصار الفعل الثقافي والفني على "الشيلات" وقصائد "إن كنت حلي فأنا علي"، ومن غير الظريف ذلكم الصراخ والوعظية المباشرة التي تعج بها منصات ترفيه الأسر والأطفال، ثم هل من المقبول أن يعرض في مهرجان التسوق بضاعة رديئة الصنع وسيئة النتائج وبعمالة غير محترفة تحت مظلة السياحة والتجارة؟

نحن مع السياحة الداخلية، ومن الواجب دعمها والوقوف إلى جوارها وممارستها، شريطة أن تقنعنا وتجذب أسرنا وأطفالنا، وقبل ذلك أن تفارق مربعها الأول.