جميع الآراء التي تحفز المرأة على أن تبقى كائنا منزليا تغفل أهمية خروجها للعمل كبعد اقتصادي، وتجعل النساء اللاتي يتفاوضن مع أوليائهن حول حقهن في الخروج أو التعليم والعمل يعد بمثابة "الامتياز" الذي يمنحه الرجل ولا يتعاملن مع الأمر كحق من حقوقهن، وهذا يفسر الهوة التي تقع بين أي إقرار نظامي -وإن كان نسبيا- لحق المرأة في هذا الإطار وبين الثقافة التي ترصد تحركاتها وتقيدها في مجالات محددة.
إن تفوق "الأيديولوجيا" على حقيقة البعد الاقتصادي المغيب لوجود المرأة في سوق العمل أسهم في تحديد الأماكن التي تشغلها النساء كقوة عاملة، وهذا يفسر تكدس الطلبات الوظيفية على قطاع التعليم مثلا ورفض البيئات المختلطة، وما تعانيه أي آلية جديدة لخلق الفرص الوظيفية كقضية تأنيث المحلات التي بالكاد خرجت إلى النور، بصرف النظر عن كونها أعمالا برواتب متدنية، ولكن حجم البطالة النسائية الهائل يكفينا لنأخذ فكرة عن طموح النساء في العمل؛ مما دفع فئة من النساء -بين التعليم المتوسط وبين الأمية اللاتي يعشن إفلاسا اقتصاديا مريرا- إلى البحث عن أعمال تعتمد على الجهد الذاتي في نطاقات مختلفة من أجل البقاء، كبيع الأطعمة وأدوات التجميل وغيرها.. وبعضهن عمدت إلى تحويل الحساب الشخصي على مواقع التواصل إلى متجر للبيع الإلكتروني، وهذا يعني أن لدى المرأة -بالوصف العام- حاجة إلى العمل تخرج عن إطار ذهني يتعامل معها ككائن منزلي مستهلك خاضع لإرادة الرجال.
مارست الأيديولوجيا ضغطا هائلا على الرجل، يخجل من الاعتراف الصريح به، ولكنه ينعكس ضمنيا على تعاملاته، فقد تعاملت الثقافة مع حالة الرجل كقوة اقتصادية بينما جعلت المرأة مستهلكة تشاركه في ماله حتى تصور بأنها عبء عليه، وهذه الفوضى ناتجة عن التباس المفاهيم أكثر من كونها ناتجة عن غياب القواعد كما يفسر ذلك عالم الاجتماع (أميل دور كايم)، فالنسق التقليدي لم يعد قادرا على مواجهة متطلبات الحياة الجديدة فيما أنه لم يوجد نسق يسهم في موازنة المسألة ويحل مكان سابقه، وفي أكثر النظريات "المحلية" فإن ما يوجد في جيب الرجل يحدد قيمة العيش معه والارتباط به من قبل المرأة، بينما رجولته التي تحدد احترامه أمام المجتمع تتحدد في مدى تحجيبه نساءه وعزلهن عن الاختلاط بالحياة العامة، إنها مسألة في غاية التعقيد!
سيكون المجتمع أكثر رقيا إذا وجدت حرية الاختيار، وإذا لم يرتبط شرف الرجل بمقدار ضبطه نساءه، وسيكون أكثر فاعلية إذا شكل الرجال والنساء قوة اقتصادية لا تقتصر على جنس دون الآخر، وهذا يعني إثبات الذات لكل منهما والتعاون والشراكة في بناء الحياة.