لماذا المقاومة للتغيير؟ هل هو الخوف من فقدان شيء ما كقيمة أو معتقد ما، هل هو ناتج عن نقص في فهم ماهية التغير وآثاره، هل هو اعتقاد شخصي بأن التغير غير منطقي، أم هو صعوبة في التأقلم مع التغير نفسه؟ إنه فعلا شيء محير! لو نظرنا إلى إحصاءات عالمية وأخذنا الهند مثلا سنجد أن هنالك ما يزيد عن 50% من حالات الاعتداءات الجنسية على الأطفال، نصفها اقترف من قبل أشخاص يحتلون مكانة الثقة، ونجد أيضا أن غالبية الضحايا لا يبلغون بسبب الخوف ويعيشون مع الصدمة بقية حياتهم، أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد رصدت الأبحاث هنالك، أنه يوجد ضحية بين كل أربعة أطفال تعرضوا لمثل هذه الاعتداءات، غالبيتهم من الذكور، فبالرغم من أن الاعتداء الجنسي يشكل تهديدا حقيقيا لأطفالنا، نجد أن هنالك من يرفض تقبل المعلومة أو اعتبارها شيئا لا يستحق أن يعتبر ظاهرة، أو قد لا يعجبه أصلا الشخص الذي جاء بهذا التغير، فيحارب حلولا ترجمت على أرض الواقع من خلال تجارب في المدارس الابتدائية في الغرب، أستغرب.. حقا أستغرب الخبر الذي ظهر في صحيفة "الوطن" قبل عدة أيام، سلوك بعض الحضور خلال تقديم برنامج المشرفة التربوية هدى بنت محمد المقرن، في مدينة الطائف مؤخرا، لم يعجبهم البرنامج أو الحديث أو ربما المتحدثة، فقدمن الاعتراض والرفض وخرجن! هل هذا هو أسلوب الحوار والمناقشة، هل لديهن حلول أفضل، هل قرأن عن الموضوع أصلا أو تابعن ما توصلت إليه الدراسات في الخارج من خلال تطبيق برامج تتسق مع المرحلة من الناحية النفسية ومن ناحية القدرات العقلية؟! بالطبع كلا! وإلا لكُنّ على الأقل ركزن على نقطة معينة وتابعن المحاضرة وفي النهاية شاركن من خلال جلسة عصف ذهني مبدئي للمخاوف أو المخاطر، ومن ثم وزن ذلك أمام إيجابيات البرنامج والخروج بتوصيات لأي نقص أو تعثر قد يواجه تطبيقه، إن مثل هذا البرنامج يزود أطفالنا بالمعلومات والقدرات كي يتمكنوا من مقاومة السلوكيات المسيئة لهم، كما توفر لهم بنفس الوقت منبرا للتعبير عن مخاوفهم ومشاعرهم بصدق وصراحة ضمن عالم يعمل على الاستغلال والتغرير بالكبار فكيف بالصغار، أم نسينا أنهم الأكثر عرضة لمثل هذه التعديات من غيرهم من شرائح المجتمع؟ لا بد من أن يدربوا على معرفة الفرق بين اللمسة الرقيقة واللمسة المسيئة من أجل حمايتهم من أي تعد أو اعتداء يسرق طفولتهم.
إن الحياة المدرسية جزء لا يتجزأ من التنمية الشاملة لشخصية التلميذ ليس فقط على المستوى الأكاديمي فقط بل على المستويات الأخرى مثل النفسي والثقافي والروحي والجسدي، وعليه يجب إعطاء مثل هذا البرنامج الفرصة كي يطبق، وليس فقط على مستوى مدراس البنات بل الأولاد أيضا، كما ينبغي أن تكون هنالك متابعة تقويمية لتطوراته ونتائجه من قبل المعلمين والمعلمات المُدَربين، وعلماء النفس، والاستشاريين من الأطباء والخبراء التربويين من أجل تغطية أي ثغرة قد تظهر كتحد خلال التطبيق ووضع الحلول والمقترحات.
إن ممارسة لعبة "ماذا لو" أو "الكرت الأحمر" طريقة من طرق تسليح أطفالنا في المدارس نتأكد من خلالها أنه أصبح لديهم السلاح الذي يحميهم، فالحديث في هذه المواضيع ليس سهلا في الأصل، ولكن مثل هذه البرامج أو الألعاب، تسهم في تسهيل العملية، وجعلها تقدم في قالب طبيعي غير منفر ومريح، ولا ننسى أن هنالك الكثير من الأهالي ممن يتحرجون من فتح مثل هذه المواضيع مع أطفالهم، خجلا أو جهلا، وقد يكون خوفا عليهم، أو خوفا مما يجب أن يقال وما يجب ألا يقال كي لا تتفتح أذهانهم على أشياء أخرى، ولكن من المعروف أن الطفل يأخذ ما يدركه عقله ويترك الباقي فلا خوف من أننا سوف نفتح لهم مجالات أخرى للتخيل، هذا لا يعني أنني ألغي دور الأسرة في تثقيف أطفالها في هذا المجال، يقدم لهم فقط ما يعطيهم المعرفة الصحيحة، تبنى من خلالها جسور الثقة في أن يلجؤوا إليهم في حال تعرضهم لأي موقف يضايقهم، أو استفسار يؤرقهم، أو حتى سماع معلومة يريدون التأكد منها، أليس الأفضل سماع تفسيرها الصحيح منا على أن تتركز في مخزون خبراتهم معلومات خاطئة تقدم لهم من أقرانهم أو شخصيات مريضة من حولهم، على أنها الحقيقة؟
لا مجال للصمت بعد اليوم، الأوراق بأيدينا، برامج جُربت وأثبتت نتائجها أنها ساهمت في توعية الأطفال ومساعدتهم على حماية أنفسهم، سواء داخل أسوار المدرسة أو خارجها، وربما هذا جرس إنذار أيضا لمن يعتقد بأن الأطفال صيد سهل، فبعد فضح عدد من المعتدين من قبل الأطفال سوف يفكر الوحش ألف مرة قبل الاقتراب، وزارة التربية والتعليم بدأت الطريق في تسليح أبنائنا، فمن يريد أن يشارك فمرحبا ومن يريد أن يعترض، فليعترض...ألم نقل لا مجال للصمت بعد اليوم!