لتعزيز مكاسبها السياسية، قامت الجالية اليهودية الأميركية "أبيك" في منتصف عام 1982 بتشكيل مؤسسة خاصة أطلقت عليها اسم "كاميرا"، لمتابعة التقارير الإعلامية الصادرة من الشرق الأوسط وتنقيح محتوياتها لتعديل صورة دويلة إسرائيل في أميركا.

وبدأت هذه المؤسسة أعمالها في فروعها المنتشرة بالمدن الأميركية لطمس الحقيقة وترويج الاعتقاد بأن إسرائيل تعدّ الدولة الديموقراطية الوحيدة التي تسعى إلى السلام في الشرق الأوسط، ودعمت المؤسسة موقفها بمراقبة كل من يعادي الصهيونية والسامية بواسطة 70 ألف موظف ومناصر لإسرائيل.

اليوم أصبحت مؤسسة "كاميرا" من أشهر مؤسسات اللوبي الصهيوني في أميركا وأوروبا، لتضم 14 لجنة من لجان مكافحة التشهير والاعتداءات الدعائية ضد إسرائيل، وتقوم بتشغيل الطلاب في الجامعات للحصول على المعلومات الدقيقة عن الأشخاص والأفلام والكتب والمقالات التي تتناول المعلومات الضارة بإسرائيل، لتقوم بملاحقتهم قضائيا. كما قامت المؤسسة بمشاركة كثير من دور النشر الأميركية والأوروبية العريقة للتأكد من عدم نشرها ما يسيء إلى الصهيونية العالمية.

ولم تكتف ‍مؤسسة "كاميرا" بتغليب الاعتقاد على الحقيقة في المجتمع الغربي، بل قامت في 2007 بتأسيس لجنة باسم "قوة الدفاع اليهودي على الإنترنت"، ودعمتها بنحو 6 آلاف من الخبراء ممن يتقنون كل اللغات بما فيها اللغة العربية، ويتقاضون مرتباتهم من شركات أميركية وأوروبية وإسرائيلية، وتصب مهمة هؤلاء الخبراء في التجسس على الهواتف ومراقبة شبكات الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي لمهاجمة المواقع المعادية لإسرائيل واليهود في جميع أنحاء العالم. وتركزت جهود الخبراء على البحث في منتديات الحوار والمشاركة في التعليقات بصورة مدروسة وممنهجة لتحسين صورة إسرائيل، أو إفراغ صفحات المنتديات من مضامينها وتحويلها إلى حوارات عقيمة لقلب موازين المناهضين لإسرائيل والإبلاغ عنهم تحت ذريعة معاداتهم للسامية ونشر التحريض ضد اليهود. كما يقوم هؤلاء الخبراء بنشر الحوارات التي تغذي الطائفية والكراهية بين الطوائف الإسلامية والمسيحية ونشر الإشاعات في دول العالم وبالأخص الدول العربية.

للأسف الشديد، إن إعلامنا العربي ما زال مسترسلا في سباته العميق، فعندما ينتقد الإعلام الغربي حكوماتنا العربية لمراقبتها رسائل البريد الإلكتروني والهاتف الجوال والرسائل النصية، ويبدي امتعاضه من قسوة أنظمتنا الموجهة لاجتثاث الإرهاب، تتغاضى وسائل إعلامنا عن فضائح تجسس الحكومات الغربية على هواتف وأجهزة حلفائها، وتتجاهل تعسف أحكامهم الخاصة بمكافحة الإرهاب وما نتج عنها من الإضرار بسمعة عالمنا العربي.

وعندما يحتج الإعلام الغربي على ارتفاع عدد سجناء الحق العام في دولنا الخليجية إلى 22 ألفا، وزيادة عقوبات الإعدام في العام الماضي إلى 865 حالة، تتجاهل فضائياتنا الخليجية ارتفاع عدد السجناء في الدول الغربية إلى 5 ملايين سجين، ليساوي 50% من كل سجناء العالم، إضافة إلى تفاقم أعداد جرائم القتل في العالم خلال العام الماضي إلى 500 ألف جريمة، تم اقتراف31% منها في الأميركتين الشمالية والجنوبية، و36% في أفريقيا، و27% في آسيا، و5% في أوروبا.

وعندما تؤكد كل الحقائق الدامغة أن الإرهاب لا دين له وأن الإسلام بريء منه، خاصة أن المسلمين يشكلون 84% من ضحايا العمليات الانتحارية التي تم تنفيذها خلال العقد الماضي، يتمادى إعلامنا العربي المتهالك في تعزيز الاعتقاد الخاطئ بأن الإرهاب يزداد شيوعا في أوطاننا لينخر في سمعة أمتنا ويشوه سماحة شريعتنا ويحقق ما صَعُبَ تحقيقه على أيدي أعدائنا.

في استطلاع للرأي العام الأوروبي في العام الماضي جاء الاعتقاد أقوى من الحقيقة، إذ تبين أن 73% من الأوروبيين لديهم صورة سيئة عن الإسلام، وأن أكثر مرادفات الإسلام شيوعا في أذهانهم تتركز في "الإرهاب" و"التعصب" و"عدم التسامح" و"الأصولية".

وتزامن هذا الاستطلاع مع نتائج البحث الميداني الذي أجراه "معهد مونتينيه" الفرنسي، ليؤكد أيضا أن لدى الفرنسيين صورة جيدة عن البوذية بنسبة 87%، وعن البروتستانتية بنسبة 69%، والكاثوليكية بنسبة 76% واليهودية بنسبة 64%، بينما تتدنى نسبة صورتهم الجيدة عن الإسلام إلى 26%.

أين إعلامنا العربي ليوضح للعالم أن الإرهاب صنيعة العنصرية والكراهية والطائفية، والدليل على ذلك إحصاءات الأمم المتحدة التي تؤكد أن العدد الإجمالي للجماعات التي تروج للكراهية بلغ في العام الماضي 784 جماعة في أميركا و352 في أوروبا، وأن متوسط عدد الجرائم في العالم ارتفع خلال العقود الثلاثة الأخيرة إلى 613 عملية سنويا، إذ حازت أوروبا على المركز الأول بارتكاب 54% من هذه العمليات، وجاءت أميركا اللاتينية في المرتبة الثانية بنسبة 21% ثم أميركا الشمالية بنسبة 14%.

وأين إعلامنا العربي ليوضح انخفاض نصيب الشرق الأوسط من عمليات الإجرام بنسبة 7%، بينما ارتفعت هذه النسبة إلى 31% في أميركا اللاتينية و22% في أوروبا و18% في آسيا و13% في أفريقيا و9% في يوراسيا. هذه الإحصاءات تتزامن مع ارتفاع عدد منظمات الإجرام في العالم إلى 2377 منظمة، لتحتل أوروبا المرتبة الأولى بعدد 655 منظمة، تليها آسيا بعدد 506، وأميركا اللاتينية بعدد 378، بينما انخفض هذا العدد إلى 319 منظمة في الدول العربية و238 في أفريقيا و80 في دول أميركا الشمالية. بذلك نجد أن أوروبا تحوي 28% من هذه المنظمات، بينما لا تزيد نسبتها عن 10% في أفريقيا و13% في عالمنا العربي.

فشل إعلامنا العربي أسهم في نجاح مؤسسة "كاميرا" لتتغلب المعتقدات على الحقائق، ولنبقى الأمة الوحيدة التي تعاني من وصمة الإرهاب.