لست بصدد تقييم عمل أمانة مدينة الرياض ولست المتخصص الذي يقيس مدى نجاحها وإنجازها.. لكن حق لي أن أبدي سعادة بتبنيها أمرا في الأصل ليس من شأنها لكنها ارتقت به وأعلت مراتبه، وعلى أقله استمر حيا يرزق بعد أن أعلن بعض أهله وأده.
أمانة مدينة الرياض أحيت المسرح السعودي وجعلت منه شأنا مهما في احتفالاتها، لم تأخذه من باب سد الفراغ أثناء مناسباتها بالأعياد، بل شأنا مهما له مقاييسه والمستوى المطلوب الذي لا بد أن يتحقق، لهذا تسابق المسرحيون السعوديون وكبار الخليجيين للدخول في مقاييس أمانة الرياض حتى باتت الأخيرة تنتج مسرحيات عالية القيمة ذات محتوى متميز وأهداف راقية.
أدرك كما غيري أن ليس من مهام الأمانة فعل ذلك، لكننا نحمد الله أنها فعلته ومنذ أعوام ليست بالقصيرة، على الأقل حسّنت من بعض ثقافتنا التي اعتمدت على السير بجانب الحائط خشية الزلل، لكن ولأن أمانة مدينة الرياض وعبر أمينها المهندس إبراهيم السلطان أرادت عملا متميزا، فقد عملت ما كان على وزارة الثقافة عمله، وقامت بما هو مطلوب، الأمر الذي جعلها تتفوق حتى في الشأن المسرحي النسائي، بل تسهم في صنع أسماء سعودية قادرة على المضي قدما في هذا الفن الراقي الذي توقعناه في مرحلة الغيبوبة قبل الوفاة، لكن إنعاش الأمانة جعله يعرف من حوله.
اللافت في الأمر أن المسرحيين السعوديين وقائد العمل الخاص بالثقافة والفنون الأستاذ سلطان البازعي يدعمون توجهات أمانة الرياض ويقفون معها، وكأنهم يقدمون رسالة إلى أصحاب الشأن في وزارة الثقافة والإعلام أنها قصرت كثيرا بما هي معنية فيه، وسط تساؤل ليس من المسرحيين فقط عن دور الوزارة هل هو متابعة الأخبار فقط، أم أن من أهم أهدافها تثقيف المجتمع والرقي بذائقته، وفي الأخيرة لن يتحقق ذلك إلا ببناء المسرح الكبير وتطويره وتفعيله عبر المدارس والجامعات وقبله في الشأن العام والإنتاج الخاص الذي تتحمل وزارة الثقافة مسؤوليته.
حقيقة نحن نعيش في إطار غربة ثقافية مقلقة خشية أن نقع في المحظور أو نغضب جهة لا يعجبها المسرح أو أي نوع من الفنون، وكأنها رجس من عمل الشيطان، لذا استمرينا ببلادتنا، وبكل أسف، فإن رواد المسرح الأوائل لدينا ركبوا الموجة وباتوا من ضمن الهاربين، مستسلمين لما هي عليه وزارتهم ليؤطروا السلبية بكل معانيها رغم إدراكهم أن المسرح هو الفن الأرقى وموقع التحاور للوصول إلى الفكر الأفضل، بل ومكمن الترفيه الأهم إذا ما حصنّاه ليكون بعيدا عن التنابز والاختلافات الدينية والعنصرية.
نتمنى إزاء هذا التبلد السعودي الكبير تجاه المسرح أن تبادر أمانة الرياض، وهي المطلق للمسرح السعودي الحديث بإنشاء إدارة للمسرح تواصل عملها وإنتاجها طوال العام، تفعل ذلك وهي التي نجحت بإعادة أهل المسرح السعودي إلى عشقهم، بل إنها أضافت كثيرا من الألق على أهل منطقتها من خلال الرقي الذي تقدمه لهم، نأمل أن تعمل ذلك لعلها تكون نواة لجعل المسرح السعودي يقف على قدميه من جديد.