لم أكن في يوم مع تكميم الأفواه ومنع النقد ومهاجمة المنتقدين، إلا أني في الوقت ذاته أخاف على ديناميكية العقل السعودي أن تتحول إلى آلة هوجاء في نقد كل شيء ولأي سبب، فمن يتابع وسائل الإعلام الجديدة ومواقع التواصل، يستطع أن يرى أن الجرعة النقدية أصبحت لدى البعض أكثر تطرفا، لا من أجل إيجاد الحلول وتقديم البدائل بل من أجل تصفية الحسابات الفكرية والشخصية، واستخدام النقد كأداة يعتقدون أنها قادرة على أن تكون سلاحهم للتفاوض والحصول على تنازلات الخصوم.
لا بد أن نعترف أن فكر الاختلاف وحرية التعبير ومحدداتهما لا يزالان غائبين لدى معظم مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى الرغم من أن التشريعات وضعت من أجل الحد من الهجوم غير المبرر والقذف المخالف للشرع والاتهام دون دليل، إلا أن المستخدم البسيط ما زال يعتقد أن ذلك يمكن له أن ينطبق على أصحاب الحسابات المليونية، أما هو فهو بعيد عن الأنظار.
المشكلة كذلك تكمن في بعض الأسماء المحسوبة على الإعلام، والتي يعلم المعنيون أن لها إما مصالح أو قضايا أو خلافات شخصية مع أطراف بعينها، فيقومون بتجييش ممنهج عبر هذه الوسائل التواصلية لشن هجوم على ذلك الطرف أو ذاك، وذلك كوسيلة ضغط تمكنهم من تحقيق ما يبتغونه.
يجب أن يقدم الإعلام والإعلاميون الدليل والإثبات قبل تقديم النقد والاتهام، وألا يستسهلوا الأمور ويعتمدون على الإشاعة والتحليل الشخصي، فما تراه أنت بناء على تحليل معطيات معينة ليس بالضرورة الحقيقة القادرة على اجتياز اختبار الواقع، ومن يعمل في مجال العمل العام أو الخاص يعلم أن إقرار وتمرير أي تشريع أو قرار يمر عبر سلسلة طويلة ومعقدة من المراجعات والمناقشات من أطراف ذات اختصاص، يظهر فيها كثير من أوجه النقد التي ربما تستغربها الأغلبية لكنها مقنعة لصاحبها!
الحرية التي هبطت على مجتمعنا دون مقدمات عبر طفرة الاتصالات كانت أسرع من إعادة رسم مفاهيم اجتماعية في العقل الجمعي، فنتج عنها فهم مشوه لم يستطع بعد حتى القانون أن يواكب حركته وتطرفه في أحيان كثيرة.
المطالبة بالرقابة ليس هو الحل كما يرى البعض، بل الحلان الأساسان هما تطبيق القوانين الرادعة بشكل صارم وعادل لا انتقائي وتوجيهي، وقبل كل ذلك إدراج مفاهيم حرية التعبير والرأي في المناهج التي تدرس في المدارس قبل الجامعات، وأن تنظم النشاطات وتطبق الآليات التي تشجع الطلاب على التعبير بحرية عبر التركيز بشكل أساس في نقد كل ما له علاقة بطبيعة أنهم طلاب وشباب، وذلك من أجل تأهيل جيل يعي مفهومي النقد وحرية التعبير.