لا أحد ينكر حق الشباب بشكل عام والمؤهل بشكل خاص سعيهم للحصول على وظائف تشعرهم بأنهم أعضاء فاعلون في وطنهم وتعينهم على تكوين أسر وعلى الإنجاب وعلى الاستقرار.. ولكن من الإجحاف توجيه التهم إلى وزارة التعليم بشكل عام والجامعات الحكومية بشكل خاص.. فهما المتهم البريء في هجوم حاملي الشهادات العليا من شبابنا!
وأود توضيح أمر قد لا يدركه بعض شبابنا -حفظهم الله- فمفتاح الأمر ليس بيد وزارة التعليم ولا بيد الجامعات، فهناك أكثر من وزارة تقرر عدد الوظائف في كل مؤسسة حكومية ونوعية المتقدمين لها، وبالتالي فتلك الوزارات تحمل الجزء الأكبر من عدم تمكين بعض شبابنا من التوظيف، كما أن الجامعات قد تضطر إلى توظيف الوافدين من العرب والأجانب كون هذا التوظيف لا يتوقف على توفر "أرقام وظيفية" معتمدة من ديوان الخدمة المدنية، وإن كنت أتمنى تحويل هذا التوظيف والمخصص لتوظيف الوافدين، لتوظيف المؤهلين من مواطنين، بحيث يوظف المواطن -في حال عدم توفر وظيفة رسمية- بعقد يجدد سنويا تحدد على إثره درجة إنجاز الموظف بمعايير محددة، وعليه يوضع اسم المتميز كأولوية لتوظيفهم في حال وجد مكان شاغر في الوظائف الرسمية التابعة لديوان الخدمة المدنية، كما يستغنى عمن لم يُثبت جدارته بعد انتهاء العقد؛ فالعقود السنوية قد تكون حلا موقتا لمواجهة بطالة المؤهلين وحاملي الشهادات العليا.
وفي حال تم تطبيق هذا الاقتراح من المهم إقرار الموظفين بشروط هذا التعيين كافة كموافقتهم على العمل بعقد سنوي قابل للتجديد ومن ثم التثبيت أو الإلغاء، حسب البيانات الواردة عن إنجازهم وللوظائف الشاغرة بعد انتهاء العقد.
ومن ناحية أخرى، من المهم أن تنشئ الجامعة إدارة عليا تكون مهامها إصدار قرارات بإبقاء الموظف من عدمه وفق المعطيات الموضوعة أمامها، على أن تضم هذه اللجان أعضاء من الجامعة ومكتب العمل وديوان الخدمة.. ومن المناسب -كما أعتقد- الاشتراط على الشركات التي تشرف على برامج تعليمية جامعية في الجامعات الوطنية والخاصة أن تكون أولوية التوظيف للسعوديين حاملي الشهادات العليا، أو على الأقل تدريب المواطن لأشهر براتب تشجيعي حسب المؤهل، يتبعه عقد سنوي ومن ثم الحق في تقديمه للتوظيف على وظائف الوزارة الرسمية.
قد أكون أكثر تفهما لمعاناة الجيل الحالي كوني أنتمي لجيل كانت وزارة التربية والتعليم تلاحق الخريجات والخريجين متطلعة إلى قبولهم العمل تحت إدارتها، مستخدمة في ذلك الاتصالات الهاتفية والرسائل البريدية، فلم يكن مواطن ذلك الجيل يعاني مشاكل تتعلق بالبطالة، وكان بإمكان الشاب المؤهل تأهيلا بسيطا الحصول على وظيفة حكومية أو في القطاع الخاص في غضون أسابيع قليلة، والمؤسف أن بعضهم لم يكن يشعر بالولاء تجاه المؤسسة التي ضمته، فكثيرا ما كان يغير وظيفته ما إن تلوح أمامه فرصة حتى يعتقد أنها أفضل له من حيث الراتب وقلة ساعات العمل.
نعم.. كان الكثير من شبابنا آنذاك يبحثون عن عمل بساعات قليلة وجزالة في الراتب، وقلما تجد منهم من يهتم بالإنجاز والإبداع، وكان البحث دوما منحصرا عن الأعمال المكتبية التي تضمن لهم الجلوس في أجواء مكيفة.
جميعنا يدرك أن البطالة ظاهرة عالمية متجذرة في القاع، ومعالجتها أصبحت من أهم عناصر البرامج الانتخابية للمرشحين للرئاسة في العالم الغربي والشرقي، فلا نكاد نرى دولة عظمى أو نامية إلا ونجدها تعاني من البطالة، وحلها يتطلب تضحيات من الأطراف كافة من الشباب ومن مؤسسات القطاع العام والخاص على السواء.. بمعنى آخر يتطلب الأمر شراكة وطنية تعمل على تشخيص المرض ووصف العلاج.
لا يعني الاهتمام بتوظيف المواطن الذي يسعى لأن يعيش بكرامة في وطنه إهمال توظيف الكوادر العربية والأجنبية المؤهلة، فنحن ما زلنا بحاجة إلى وجودهم بيننا ولسنوات قادمة، فالتخصصات الكثيرة تعد بحكم النادر في وطننا، ولكن أن نجلب موظفين من الخارج بلا خبرة، فقط لأن توظيفهم والاستغناء عمن لم يثبت جدارته ليس بالأمر الصعب.. فوضع علينا تداركه ودراسة أبعاده الاجتماعية بعناية.
كما أعتقد -والله أعلم- أنه من المناسب إعداد المؤسسات الحكومية والخاصة تقارير سنوية ونشرها للعامة؛ تظهر من خلالها أعداد من تم توظيفهم من المواطنين وطبيعة الوظائف التي شغلوها سواء أكان بعقد رسمي أم سنوي أم كمتدرب، وتقرير آخر يظهر أعداد من تم الاستغناء عنهم.
ومن ناحية أخرى، أجد أنه من المناسب التحدث عن المواطنات اللاتي يعملن كبائعات في الأسواق التجارية، فكثيرا منهن يبذلن جهدا مضاعفا لكسب الزبائن، وتجدهن محترمات ملتزمات بالآداب العامة بحمد الله، قادرات على إقناع الزبونة بشكل احترافي، لكن مع الأسف تجد أن بعضهن يحتجن إلى تدريب مكثف على طريقة التعامل مع الزبائن؛ فبعضهن لا تتذمر فقط من الإجابة عن استفسارات الزبونة، بل ترفض خدمتها وتحولها إلى قسم يشرف عليه الرجال، كما أن هناك من تضع كل ما وقع تحت يدها من مساحيق! بل وجدت في إحدى المحلات التي يفترض أنها تعرض بضائع متميزة.. أحذية للأطفال.. وأكواب الشاي وعلب العصير متناثرة هنا وهناك، وعندما بينت اعتراضي للموظفة تقبلته -ولله الحمد- بسعة صدر، هن في واقع الأمر بحاجة إلى تدريب، وحبذا لو تم تكليف شركة نسائية مؤهلة تعمل على متابعتهن في أوقات الدوام الرسمي.. وعلى ترشيح بعضهن لوظائف قيادية أو لحضور برامج تدريبية لإعداد قياديات محترفات.