قبل سنة أطلق رجل ألماني غامض تصريحا خطيرا حين قال لمجلة واسعة الانتشار إن الأتراك سوف يلتهموننا بتكاثرهم كما أكل الألبان كوسوفو؟ والرجل يشتغل في البنك الألماني وليس فيلسوفا ومثقفا، ولكنه عنصري جريء وقح متمرد طويل اللسان، كما كان هتلر من قبل، فكان أي هتلر محرضا للجماهير غوغائيا مشاغبا أتقن استخدام الفرصة؛ فصعد على ظهر الشعب الألماني فقاده إلى المحرقة؟

وهكذا بدأت رحلة السيد تيلو سارازين (Thilo Sarrazin) ليصبح بطلاً قوميا في ألمانيا، مع أنه ليس ألمانيا، فهو فرنساوي من الهوجنوت، تماما مثل هتلر النمساوي؟ وهنا يقع العجب العجاب؟

وحيث يذهب سارازين تؤدى له التحية الهتلرية: هايل هتلر؟ وإذا جلس في المطعم الصيني في برلين يتقدم إليه كل خمس دقائق أحد المعجبين به ليقول له بالألمانية (جراتوليرلين Gratulieren) أي أهنئك على هذه الشجاعة منقطعة النظير؛ لأنه نطق كفرا وقال إن الألمان هم خير البرية كما قال الشيطان عن آدم أنا خير منه؟ والنبي العدناني يقول "لا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، والقرآن يقول "ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" وليس لتتباغضوا وتتناجشوا وتتقاتلوا كما يريد سارازين.

وهي نفس حجة روزنبرج القديمة عن تميز الآريين برؤوس مفلطحة وأدمغة متفوقة؟ كما قال عفلق البعثي العبثي عن العرب "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة"، وأطلق شعار الثالوث المقدس الوحدة والحرية والاشتراكية؛ فحصد فقرا وفرقة وديكتاتورية وفوضى وطائفية؟

وإذا ارتكب تركي حماقة فقتل الشقي النازي فلسوف ينصب لسارازين تمثال في مدخل كل مدينة من كيل إلى بادن بادن؟

وفي الإيميل تنهمر الرسائل على رأس الشقي النازي كأمطار فانكوفر تقول له لقد قلت ماعجز عنه كبار القوم؟

أما كتبه فقد نفدت فليس من نسخة، والاستعداد جار الآن في مؤسسة فيليكس (Felix) لطباعة ربع مليون نسخة جديدة، وليس من المستبعد أن تترجم إلى 99 لغة قد يكون أحدها العربية، يضع النازي سارازين من ورائها في جيبه عشرات الملايين من اليورو الحلو، من كتاب يفتقد الصدق والموثوقية والمراجع والتمحيص، وممتلئ بالكذب، وينضح بالعنصرية البغيضة المقيتة.

وحين وقف رئيس الجمهورية الألمانية كريستيان فولف ليلمح إلى مشكلة الأجانب في ألمانيا هتفت جماعة من الحزب النازي الجديد في وجهه والإعلانات مشهرة: تيلو سارازين بالروح بالدم نفديك إنك على حق؟ تماما كما يحدث في حدائق المجانين في الجمهوريات العربية بفارق صدق النازيين وكذب الثوريين!

ولعل القارئ يسأل من هو هذا الرجل؟ وما وراءه؟ ولماذا كل هذه الضجة؟ احفظوا الاسم جيدا ولا تنسوه فسوف يأتيكم خبره؟