تعيش الأسر هاجسا مُلحا وقلقا مؤرقا كل عام بسبب أزمة القبول والتسجيل في الجامعات والكليات لأبنائهم، ولعل سقوط الأم والدة الطالبة لتموت قهرا وحسرة على فقدان ابنتها فرصة تحقيق حلمها في الالتحاق بكلية الطب، يشكل علامة تعجب واستفهام عن آليات التسجيل والقبول في الجامعات، بل ويطرح سؤالا كبيرا حاسما عن مدى التخطيط المستقبلي وتقويم الأوضاع في مراكز القبول والتسجيل في جامعاتنا، ويجب بل ينبغي أن يكون السؤال على قدر عال من الأهمية التي تعادل الحياة والموت.
في كل عام تطل علينا مشكلة القبول في الجامعات، ويتنصل الجميع من المسؤولية الكاملة عن هذه المشكلة القائمة وهي فعليا مسألة حياة وموت لارتباطها بالمصير التعليمي والوظيفي لكل طالب وطالبة. وتتأزم حركة التسجيل والقبول بحيث تدّعي كل جهة -ودون أية شفافية أو ضمير أو تخطيط- أن جهة أخرى هي المسؤولة حتى أنه أصبحت البوابة الإلكترونية للتسجيل هي المسؤولة والمدانة عن كل الأخطاء الفادحة في آلية التسجيل، وهي المسؤولة عن التكتيكات الغريبة التي تنتهجها بعض مراكز القبول والتسجيل، بحيث تضع نسبا عالية لكثير من التخصصات المطلوبة، ثم تعيد خفض النسب بعد أن يتخلى كثير من الطلاب عن حلمهم في الالتحاق بإحدى الكليات، وفي نهاية الأمر البوابة الإلكترونية هي المدان والمسؤول.
البوابة الإلكترونية ليست جمادا بل إنها تُدار بواسطة أنظمة وآليات الجامعات التي يتظاهر المسؤولون عنها بأن مشكلة القبول والتسجيل وتحقيق رغبات الخريجين مشكلة لا وجود لها، وأن الفرص متوافرة ومتساوية بين الجميع بينما الواقع لا يقول ذلك.
يغيب كثير من التخطيط والتنظيم العادل في هذا الشأن، ويعلم المسؤولون الحقيقة التي تحدث على أرض الواقع، وهي أن الطلاب والطالبات في ازدياد، وأنهم يعانون من الأنظمة الكثيرة والشروط المعقدة، ويحدث أنهم يعلمون أن "الواسطة والمحسوبية" تتجولان بكل حرية وأريحية في أروقة مكاتب التسجيل والقبول.
بل يعلمون تماما أن ذوي التقديرات العالية معظمهم يفقد حلمه في الدراسة التي يرغبها ويضطر إلى الرضوخ لرغبات "البوابات الإلكترونية" والقائمين عليها.
المشكلة فعليا ليست مرتبطة ببوابة إلكترونية أو بأشياء فنية كما تدعي الجامعات في كل عام، بل بالقدرة على التخطيط المناسب المتوافق مع حركة التعليم ومطالب الخريجين. فهو كما يبدو من المظلوميات الكثيرة التي حدثت في تغيير مجرى حياة طلاب كثر إلى تخصصات لا يرغبونها؛ فمات حلمهم ليبدو مؤشرا خطيرا يستدعي المطالبة بتخطيط ومصداقية أفضل حتى لا يموت آخرون قهرا.