تعالى الله أن يكون ظالما لأحد مخلوقاته ولو كان من الحشرات الصغيرة؛ فكيف مع نفس مما "سواه فعدله"!! وانطلاقا من ذلك فما أتناوله هنا إنما هو تناول مجتهدة في تقليب اللغة؛ فالشيخ ربيع بن هادي المدخلي في كتابه (الحقوق والواجبات على الرجال والنساء في الإسلام) يأبى إلا توظيف بعض الآيات والأحاديث للاستشهاد في تأكيد نظريته على دونية المرأة عن الرجل في الإسلام؛ وأنها تابع خُلقت لقضاء شهوته؛ بل زاد أن جعل جزاءها كمؤمنة في الجنة دون الرجل المؤمن!! فيقول(ص 20) "كما أن المرأة من نعم الله على الرجل في هذه الحياة الدنيا فهي في الآخرة نعمة تدخل ضمن ما يجازي الله به عباده الصالحين"؛ ويتكيء في رأيه على أن العديد من الآيات التي تتحدث عن جزاء المؤمنين في الآخرة ومن ضمن هذا الجزاء الحور العين؛ ويقول(ص 21) "إذا ذكر جزاء المؤمنات فإنما يذكره تبعا لجزاء المؤمنين ولا يعدهن برجال من أوصافهم كذا وكذا !!" ويقول أيضا "إن المرأة دون الرجل في الدنيا والآخرة "، وكلامه مردود!؟ إنه يستشهد على رأيه؛ بقوله تعالى"قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَ?لِكُمْ * لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ " وأيضا قوله"وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ" إلى قوله"وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ * وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" وهو في استشهاده يهمل ظاهرة (التغليب) في اللغة تماما والتي أكثر النص القرآني استخدامها للإيجاز؛ فيغلب خطاب المذكر نحو "أَؤُنَبِّئُكُم" و" لِلَّذِينَ اتَّقَوْا" و"الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا" و"خالدون"قاصدا به الجماعة من الجنسين؛ أما "أزواج مطهرة" في الآيتين اعتبرها تخص "الإناث" فقط؛ وربما ألبس عليه استخدام مفرد "أزواج" في الفصحى لـ"لزوجة"؛ فتقول للمرأة"زوجُ مطيعة"؛ ولهذا أقام المعنى في"أزواج" معنى"الزوجات" بينما المقصود في الآية الجنسين معا للتغليب كـ"آباء" و"أبناء"؛ ويصدق هذا المعنى، قوله تعالى"وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا" وليس من المعقول هنا أن المقصود فقط خلق الإناث!؛ وقد يزعم أحدهم أن المقصود "الزوجات" بدليل تأنيث الصفة بعدها "مطهرة"؛ لأن الصفة تتبع الموصوف؛ وأنه لم يتبعها بـ"مطهرون" للتغليب؛ ومثل صاحب هذا الزعم ينسى بلاغة القرآن العظيمة؛ فلو تمعنا لوجدنا الغرض من تأنيث الصفة وهو تعزيز صفة الطهارة في الذكور من هؤلاء الأزواج؛ كون الطهارة أي "البكارة" شرط الرغبة في الزوجة ولو فقدتها فُضحت وكُرهت؛ بينما الزوج قد يمارس من الشهوات ويتزوج دون أن يفضح أمره ثم يزعم الطهارة؛ لهؤلاء الأزواج ذكورا وإناثا في الجنة هم طاهرون طهارة "البكر"؛ وبالتالي المقصود: للمؤمنين زوجات مطهرات وللمؤمنات أزواج مطهرون. حقيقة؛ أستغرب جدا هذا الرأي؛ خاصة أننا حفظّنا بأن النساء أكثر أهل النار ويُشدد في عذابهن، لأنهن الغواية والفتنة بزعم الزاعمين؛ ثم نسمع بأنها دون الرجل في الآخرة من حيث الجزاء، أمعقول هذا!! كيف يستقيم ذلك وهما متساويان في تكليفات العبادة وفي العقوبات والحدود!! فتعالى الله عن أن يكون ظالما للعبيد.
أخيرا؛ الكتاب يحتاج لوقفات عديدة لردّ ما فيه من أفكار تمييزية ضد المرأة هي محل جدل؛ َنَسبها المؤلف للإسلام؛ لكني أكتفي بما ناقشته هنا؛ فهناك ما هو أولى في المجتمع من هذا الكتاب.