أشعر أن كل جسد مغادر خارج حدود الوطن عبر المطارات والمنافذ في كل عام كأنه يدق مسمارا في نعش السياحة الوطنية، مهما كانت المبررات وصيغ التعبير والتنظير العصري لمعايير السياحة ومحدداتها، لقد أثقلنا علي أنفسنا وعلي وطننا بوصم مجتمعنا بالانغلاق تحت وطأة الشروط الاجتماعية ومحظوراتها الثقيلة علي حد زعمهم، لنخلق لنا مسوغات تسمح بالهروب المضاد، وطمس كل هذا الاحتشاد الوطني لصنع عوالمنا السياحية المعززة لدخلنا القومي، والمنسجمة مع روح وطبيعة تشوفاتنا المستقبلية وتطلعاتنا الحضارية، ولكن المربك للمشهد هو هذا الاستمراء والقمع وتصعيد الحس الساخر والمبالغة في الجهر برفض كل هذه الابتناءات السياحية، وإشاعة الخيبات والإيحاءات بأننا غير قادرين علي النهوض بهذا المنجز، وتفشيل كل المعالجات والطروحات والبرامج والاستراتيجيات بدعوي هامشيتها وعجزها عن التعاطي مع لغة العصر، وصناعة السياحة الاقتصادية وبنيتها المتعارف عليها، لا أعرف كيف تتحقق هذه اللافتات والتعاليات وأنت تعطي ظهرك للوطن وتذهب إلي تلك المرابع و (لكل امرئ ما نوي)، لا أعرف كيف نقنع رجل الأعمال الذي تعاظمت ثروته وتمددت وتطاولت لنبوح له ونتكاشف معه بأن يلتفت إلي الداخل من باب البر والتقوي ورد الجميل والحس الوطني؟ لا أعرف كيف ندعو المواطن للسياحة في وطنه وهناك من يستدرجه بالدعاية والإعلان وإغراءات التكاليف المخفضة خارج حدود الوطن وفي وسائل إعلامنا الموقرة؟ لا ننكر أن هناك كثيرا من المعوقات والمنعطفات والاعتلالات التي نصطدم بها في شارع سياحتنا الوطنية، ولكننا قادرون علي تذليلها وتلمس مواطن القصور فيها ومعالجتها والتعويل عليها، بشرط الاقتراب منها وليس رميها بالسخرية والعطب واليأس والفوقية المتورمة والتغني بما عند الآخرين، ونعتها بأنها سياحة "ذوي الدخل المحدود والطبقة الفقيرة والكادحين" من باب التهكم والاستخفاف، لقد أرقني وأحزنني ما قاله الكاتب "العكاظي" عيسي الحليان في زاويته (بعض الحقيقة) حين أكد "أن أحدا لم يعد يسمع عن الطائف أو أبها أو الباحة بعد أن كانت ملء السمع والبصر في مواسم الاصطياف التقليدي؛ ذلك لأن قواعد اللعبة السياحية قد تغيرت بالكامل وتبعثرت معها كل القوالب القديمة، وبالتالي فإن حلولنا السياحية كقطاع هي نفس حلولنا في أكثر من قطاع ولأكثر من وجه ثقافي واجتماعي، وبالتالي فهي لعبة الزمن وخارج إطار مسؤولية هيئة السياحة بالكامل)، هل أسهم "الحليان" في بث روح القنوط، وكسر كل مراكب العودة وأجهض كل محاولات الاشتغال والسعي لعودة الطيور المهاجرة إلي أعشاشها، أم أنها من باب العلاج بالكي؟ "ومن الكي قد يجيء الشفاء".